التشريعات المغربية وسوق العمل الجديد: هل يمكن سد الفجوة بين الواقع والقانون؟

شهد سوق الشغل في المغرب تحولات نوعية غير مسبوقة، نتيجة التطورات التقنية المتسارعة، وبالأخص ثورة الرقمنة والذكاء الاصطناعي التي أعادت رسم معالم أساليب العمل وأدت إلى بروز أنماط تشغيل غير تقليدية فرضت نفسها على الواقع المهني.
وبينما تتيح هذه الأنماط الجديدة فرصًا متعددة للمرونة والابتكار، إلا أنها في الوقت ذاته تثير العديد من الإشكالات المتعلقة بحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمال.
وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره المعنون بـ”الأشكال اللانمطية للتشغيل والعلاقات المهنية: تحديات جديدة وفرص ناشئة”، أن ثلاثة نماذج تشغيلية أصبحت سائدة بشكل متزايد في سوق العمل المغربي، وهي العمل عن بعد، والتشغيل عبر المنصات الرقمية، والعمل الجزئي.
ولفت إلى أن هذه الأنماط نمت بشكل ملحوظ عقب جائحة كوفيد-19، مما أحدث تغييرات جوهرية في أنماط العلاقات المهنية وأساليب الإنتاج.
وأتاح هذا التحول فرصاً لقطاعات وأنشطة غير تقليدية، مثل خدمات التوصيل، النقل عبر التطبيقات الذكية، تطوير البرمجيات، الترجمة، الاستشارات، والتصميم، إلى جانب أعمال يمكن إنجازها بشكل جزئي لصالح أكثر من مشغل أو بالتوازي مع الدراسة أو الالتزامات الأسرية.
وتبرز مزايا هذه الأشكال الجديدة في مرونتها العالية التي تسمح لأرباب العمل بإدارة الموارد البشرية بفاعلية، مع استجابة أسرع لمتطلبات السوق، وخفض التكاليف التشغيلية.
كما تسهم في جذب خبرات ومواهب متنوعة على الصعيدين المحلي والدولي، مما يحسن من جودة الخدمات ويعزز الإنتاجية.
من ناحية أخرى، توفر هذه الأنماط للعاملين فرصًا أفضل لتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وتفتح المجال للإبداع والمبادرة، خاصة لفئات النساء، وكبار السن، وذوي الإعاقة.
كما تساعد في تقليل التنقل اليومي، مما يخفف الضغط على البنية التحتية ويساهم في ترشيد استهلاك الطاقة.
لكن المجلس لم يغفل التحديات المصاحبة لهذه الأنماط، ومنها غياب أطر قانونية وتنظيمية كافية تحمي حقوق العاملين، ما يؤدي إلى ضعف الأجور ونقص التغطية الاجتماعية من تأمين صحي، تقاعد، وتعويضات عائلية.
إضافة إلى صعوبة الفصل بين وقت العمل والحياة الخاصة، ومخاطر تتعلق بحماية البيانات الشخصية، وضعف التمثيل النقابي والحوار الاجتماعي.
وفي هذا السياق، انتقد المجلس بطء تحديث التشريعات والمؤسسات لتواكب هذه التغيرات، مشدداً على ضرورة تطوير إطار قانوني وتنظيمي يتناسب مع خصوصيات التشغيل اللانمطي، ويكفل حقوق العمال في بيئة عمل لائقة تشمل الحماية الاجتماعية، التنظيم النقابي، والسلامة المهنية.
كما دعا إلى اعتماد نماذج مبتكرة لعقود العمل والتغطية الاجتماعية تجمع بين المرونة والحقوق الأساسية للأجراء.