مصفاة سامير: من التأميم إلى الخوصصة… إلى الهاوية
في عام 2015، اهتز الاقتصاد المغربي على وقع أزمة غير مسبوقة، تمثلت في التوقف المفاجئ لمصفاة “سامير”، وهي المصفاة الوحيدة في البلاد.
لم يكن هذا الحدث مجرد عطل تقني، بل كان بمثابة صرخة مدوية كشفت عن مكامن الخلل في السياسات الاقتصادية، وبالأخص في مجال خوصصة القطاعات الاستراتيجية وإدارة المؤسسات الحيوية.
و لقد أثارت هذه الأزمة تساؤلات عميقة حول الخيارات الاقتصادية للدولة وتأثيرها على الأمن الطاقي للبلاد، وأظهرت الحاجة الماسة لإعادة تقييم هذه السياسات.
في غشت 2015، توقفت مصفاة “سامير” عن العمل، مما أدى إلى أزمة حادة في سوق المحروقات المحلي. وكشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن الحكومة المغربية تحركت بسرعة لتقييم تأثير الأزمة على توفير الوقود، وعقدت اجتماعات طارئة لوضع خطة عمل.
ورغم تأكيد المسؤولين على قدرة الموزعين المحليين على تلبية احتياجات السوق، فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة كانت كبيرة. فقد تم تسريح أكثر من 1000 عامل، وتراكمت الديون التي تجاوزت 4 مليارات يورو، وشملت مستحقات للبنوك الكبرى والجمارك.
و تأسست مصفاة “سامير” في عام 1959 في إطار شراكة بين الحكومة المغربية والشركة الإيطالية “إيني”. وفي السبعينات، تم تأميم المصفاة كجزء من سياسة تعزيز السيادة الطاقية بعد أزمة النفط العالمية.
وفي عام 1997، قرر المغرب خوصصة “سامير” في إطار تحرير الاقتصاد، وتم بيعها لرجل الأعمال السعودي الإثيوبي محمد العمودي.
ورغم حصوله على العديد من الامتيازات المالية والإدارية، فشل العمودي في منع تدهور الوضع المالي للمصفاة، مما أدى إلى تفاقم الديون والأزمات الإدارية التي ساهمت في انهيار الشركة.
وبدأت الأزمة المالية للمصفاة في عام 2014، حيث بلغت خسائرها الصافية 325 مليون يورو. واستمرت الأزمة في التصاعد في النصف الأول من عام 2015، حيث وصلت الخسائر إلى 206 ملايين يورو.
ورغم تدخل الدولة لمحاولة إنقاذ الشركة، فإن وعود العمودي بضخ 6.7 مليارات درهم لتسوية الأزمة لم تتحقق، مما دفعه إلى مقاضاة الدولة المغربية أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية (CIRDI).
وفي عام 2018، صدر حكم لصالحه يلزم المغرب بدفع تعويض قدره 150 مليون دولار، ولكن تم تعليق تنفيذ القرار لاحقاً.
أثارت أزمة “سامير” انتقادات واسعة لعملية خوصصة القطاعات الاستراتيجية في المغرب. واعتبر كثيرون أن صفقة بيع “سامير” في عام 1997 افتقرت إلى الرؤية الاستراتيجية اللازمة.
ورغم الامتيازات الجمركية الكبيرة التي مُنحت للعمودي لحماية المصفاة، فإن الأمور انتهت بإفلاسها، مما كشف عن عيوب في مراقبة إدارة المؤسسات الحيوية.
كما أظهرت الأزمة ضعف الحوكمة وسوء تقدير القرارات التي تم اتخاذها بشأن القطاعات التي تمس السيادة الاقتصادية.
يُعد انهيار مصفاة “سامير” درساً مهماً حول أهمية الحوكمة الرشيدة في إدارة القطاعات الاستراتيجية. كما سلطت الأزمة الضوء على ضرورة إعادة النظر في سياسات الخوصصة، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة.
وعلى الرغم من أهمية تحرير الاقتصاد، فإنه من الضروري ضمان السيادة الوطنية والاهتمام بالمؤسسات الحيوية التي تلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد الوطني، مما يستدعي سياسات أكثر صلابة واستدامة لضمان استمرارية هذه المؤسسات.