الاضطراب العاصف للأسواق .. كيف يقف الكاري تريد والين الياباني وراء كل هذه الفوضى؟
تحولت الضغوط البيعية التي انطلقت في سوق الأسهم الأمريكي الخميس وتعمقت الجمعة إلى موجة هبوطية عالمية حادة يوم الإثنين، مع محاولة المستثمرين استيعاب بيانات الوظائف في الولايات المتحدة، والتي أنذرت بركود الاقتصاد بشكل مبكر وأعمق من المتوقع.
وكما انتقلت الموجة البيعية من الولايات المتحدة إلى مناطق أخرى حول العالم، فإنها انتقلت أيضًا من سوق الأسهم إلى كل شيء تقريبًا، بما في ذلك السلع الرئيسية مثل النفط والذهب، والعملات المشفرة، وبالطبع أثرت على أسواق العملات الرئيسية.
في حين أن البيانات الاقتصادية هي العامل الرئيسي وراء اندلاع هذه الحالة من الذعر في الأسواق العالمية، فإن ممارسة سوقية شهيرة في أسواق العملات التقليدية كانت سببًا في تفاقم الضغوط على الأسواق، وهي معاملات “الكاري تريد- Carry Trade”
ما هي الكاري تريد؟
– تعرف أيضًا بأسماء عدة مثل “صفقات الحمل” أو “تداولات الترجيح”، ومن بين الأسماء الأكثر رواجًا هو “التداول بالفائدة”، نظرًا لأنها معاملة تقوم بالأساس على دراسة فروق أسعار الفائدة بين العملات المختلفة لتحقيق أكبر مكسب.
– من ركائز معاملات “الكاري تريد” أيضًا؛ اقتراض وبيع العملة، ثم استخدام هذا النقد في شراء عملة أخرى، على أمل تحقيق أرباح أكثر (عبر الأصول المشتراة) من تكلفة اقتراض الأصل الأول
– على سبيل المثال، يقترض المستثمر عملة بلد ما ذات أسعار فائدة منخفضة مثل الين (كانت تفرض اليابان فائدة سالبة حتى وقت قريب ورفعتها مؤخرًا إلى 0.25%)، ويستخدمها للاستثمار في عملة ذات أسعار فائد أعلى مثل البيزو المكسيكي (11%).
– في شكل آخر شاع مؤخرًا، اقترض المستثمرون السندات الحكومية اليابانية وباعوها، في ظل انخفاض عوائدها (التكلفة)، ومن ثم استخدموا الأموال التي جمعوها (بالين) في شراء الدولار واليورو، وأخيرًا الاستثمار في سندات أو أسهم هاتين العملتين.
– تعتمد هذه الاستراتيجية على بقاء العملة المقترضة رخيصة، مع انخفاض التقلبات في السوق، وهذا ما يعطي لمحة عما حدث في الأسواق مؤخرًا، حيث تحول هذان العاملان ضد المستثمرين في الأسابيع الأخيرة مع ارتفاع الين، ما دفعهم إلى إغلاق مراكزهم (القائمة على الاستدانة).
ماذا أربك الأسواق إذًا؟
– تسببت المكاسب الأخيرة للين (وهو أحد الملاذات الآمنة المفضلة للمستثمرين) والتي تجاوزت 10% مقابل الدولار الأمريكي في غضون أسابيع (ليبلغ أعلى مستوى منذ يناير)، في ضغوط كثيفة على تداولات “الكاري تريد” متسببة في تبعات زلزالية في مناطق أخرى من الأسواق.
– بدأ ارتفاع الين مع اللهجة المتشددة لمسؤولي بنك اليابان وحديثهم عن رفع أسعار الفائدة في الأسابيع الأخيرة، وبعدما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى النطاق الموجب لأول مرة منذ 17 عامًا في مارس، مع زيادة أخرى في يوليو.
– في الوقت نفسه، أدت مناقشة الاحتياطي الفيدرالي لمسألة خفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى التقارير الاقتصادية الضعيفة الأخيرة عن سوق العمل والتصنيع، إلى ضغوط هبوطية على الدولار الأمريكي، علاوة على أن بعض المحللين يعتقدون أن بنك اليابان كان يشتري الين لدعم قيمته.
– بالتالي فإن الاتجاه المتشدد في اليابان بالإضافة إلى مشتريات البنك المركزي، يشكلان عوامل دافعة لزيادة قيمة الين، في حين أن الاتجاه نحو التخفيف في أمريكا والبيانات التي تنذر بركود حاد للاقتصاد تشكل عوامل هبوطية للدولار (لامس أدنى مستوياته منذ يناير).
– لذلك فإن القول الشائع “إذا كنت مديناً للبنك بمليون دولار، فأنت في مشكلة، ولكن إذا كنت مديناً للبنك بمليار دولار، فإن البنك في مشكلة” أصبح يتصدر المشهد الآن، خوفًا من عدوى مالية، حيث هناك معاملات كبيرة قائمة على الاقتراض سيترتب عليها خسائر واسعة.
– إن إغلاق المراكز القائمة على اقتراض الين يمثل “مشكلة هيكلية حقيقية” مع إدراك المستثمرين أنهم سيضطرون إلى دفع سعر فائدة موجبة وتصفية مراكزهم، حيث من المتوقع أن ترفع اليابان أسعار الفائدة مرة واحدة على الأقل مجددًا هذا العام.
كيف يؤثر ذلك على الأسواق؟
– في ظل الضغوط المشار إليها، تسارعت وتيرة تخلص المستثمرين من الصفقات القائمة على الدين في محافظهم خلال تعاملات يوم الإثنين، في تراجع وصفه بنك “سوسيتيه جنرال” بـ “التاريخي وغير المسبوق” عن الاستراتيجية ذات الشعبية الكبيرة.
– من الواضح أن بعض المستثمرين يتعرضون الآن لضغوط مكثفة من خلال عمليات تغطية الهامش، وهو ما يفسره ارتفاع الين السريع لرغبة هؤلاء المستثمرين في إغلاق مراكزهم وسداد ديونهم بالعملة اليابانية التي ارتفعت قيمتها سريعًا
– قال “جون روك” المدير الإداري الأول لشركة الأبحاث “في 22”: “من الصعب معرفة مدى خطورة الضغوط التي يتعرض صناديق التحوط بسبب اضطراب الكاري تريد، لكن عدم اليقين يعني أن المستثمرين سيكونون حذرين ويقللوا تعرضهم، ما يؤدي إلى مثل ما حدث اليوم”.
– باع بعض المستثمرين سندات الحكومة اليابانية لشراء أسهم التكنولوجيا الأمريكية، وهذه استراتيجية محفوفة بالمخاطر للغاية لأسباب عديدة، أحدها أن تقلب الأسهم والسندات الحكومية مختلف تمامًا، وفقًا لـ “تان كاي شيان” المحلل لدى “جافيكال” للأبحاث.
– قال “كيت جوكس”، كبير استراتيجيي الصرف الأجنبي في “سوسيتيه جنرال” في مذكرة بحثية: “لا يمكنك إجراء أكبر عملية على الإطلاق للتخلص من صفقات الحمل دون كسر بعض الرؤوس، هذا هو الانطباع الذي تعطيه لنا الأسواق اليوم”.
هل تستمر الضغوط؟
– وفقًا لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع في أمريكا، كانت صناديق التحوط والمستثمرون المضاربون الآخرون يحتفظون بأكثر من 180 ألف عقد يراهنون فيها على ضعف الين، بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار، في بداية يوليو.
– بحلول الأسبوع الماضي، انخفضت هذه المراكز إلى قرابة 6 مليارات دولار، لكن وفقًا لرئيس وحدة الأسواق العالمية لدى بنك “آي إن جي”، “كريس تورنر”، فإن هذا مجرد “ركن صغير” من سوق الاقتراض بالين
– كانت المخاوف بشأن “الكاري تريد” في تزايد لأسابيع بالفعل، ويرجع ذلك جزئياً إلى الكم الهائل من الأموال المتضمنة في هذه المعاملات (ما يقدر بنحو 4 تريليونات دولار)، وهو مبلغ هائل ومؤثر إذا تحرك عبر الأسواق.
– في السنوات الأخيرة، اقترضت البنوك ومديرو الأصول وغيرهم أيضًا العملة اليابانية بقوة، وحتى مارس، بلغت قروض البنوك اليابانية للأجانب بالين ما قيمته نحو تريليون دولار، وفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية، بزيادة 21% عن عام 2021.
– وفقًا لـ “تورنر” فإن المشكلة هي أن التحوط من مخاطر العملة كان مكلفًا على مدى السنوات القليلة الماضية، لذلك من المرجح أن العديد من هؤلاء المقترضين لم يتحوطوا، ومع اندفاعهم لذلك الآن، فإن هذا يزيد الطلب على الين.
– هذا يخلق خطرًا لبدء حلقة مفرغة، حيث تتسبب قوة الين في دفع المستثمرين وغيرهم إلى إغلاق رهاناتهم على تراجع العملة اليابانية، من خلال شراء المزيد من الين، وهو الأمر الذي يترتب عليه بيع الأصول في أماكن أخرى من الأسواق العالمية.
– قال “براد بيكتل”، رئيس النقد الأجنبي العالمي في “جيفريز”: “هذه عملية تصفية لصفقات الحمل وسباق للحصول على النقد من فئات الأصول المختلفة، وعملية خفض الديون التي تجري الآن هائلة ومع اضطراب السوق إلى هذا الحد يصعب تحديد القاع”.