تداعيات فصل الإنفاق الحكومي عن قياس الناتج المحلي الإجمالي على الاقتصاد الأمريكي

تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة على تقليص التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن بعض أنواع الإنفاق الحكومي، إلى درجة أنها تسعى لفصل هذا الإنفاق عن قياس الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وهو المؤشر الذي يشمل حاليًا الإنفاق الاستهلاكي والحكومي، بالإضافة إلى الاستثمار الإجمالي وصافي الصادرات. فما هي العواقب المحتملة لهذا التوجه على الاقتصاد الأمريكي؟
في تصريح حديث، أكد وزير التجارة الأمريكي، هوارد لوتنيك، أن الحكومات قد قامت تاريخيًا بتعديل بيانات الناتج المحلي الإجمالي عبر تضمين الإنفاق الحكومي كجزء من هذا المؤشر، وأوضح أن الهدف من هذا الفصل هو زيادة الشفافية.
كما عبّر الملياردير إيلون ماسك على منصة “إكس” عن رأيه، قائلاً: “يمكنك زيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل مصطنع عبر الإنفاق على أمور لا تحسن حياة الناس”، ودعا إلى استبعاد الإنفاق الحكومي لقياس الناتج المحلي بدقة أكبر.
تم اقتراح مفهوم الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة عام 1937 من قبل الاقتصادي سيمون كوزنيتس، وذلك في تقرير قدمه إلى الكونغرس الأمريكي كرد فعل على الكساد العظيم، بهدف قياس القيمة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة داخل الدولة في فترة زمنية معينة.
يعتقد لوتنيك أن تقليص الإنفاق الحكومي يساهم في دعم النمو الاقتصادي ويخفض أسعار الفائدة المدفوعة من قبل المستهلكين، مما يؤدي إلى تحقيق “أفضل أداء اقتصادي على الإطلاق”.
وهذا يتماشى مع نظرية “المزاحمة الاقتصادية” التي تشير إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي قد تؤدي إلى تقليص الإنفاق الخاص، نتيجة لارتفاع تكاليف الإقراض وانخفاض دخل الأفراد والشركات بسبب زيادة الضرائب.
في العام الماضي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 29.7 تريليون دولار، منها 1.9 تريليون دولار تمثل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري للحكومة الفيدرالية، و3.2 تريليون دولار من الحكومات المحلية.
شهدت حصة الحكومة الفيدرالية من الناتج المحلي الإجمالي تراجعًا خلال العام الماضي، حيث بلغت مساهمة الإنفاق الحكومي 6.4% من الاقتصاد الأمريكي، وهو نفس المعدل تقريبًا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى.
وبالمقارنة مع الذروة التي وصلت إلى 18% عام 1953، يظهر أن هذا الرقم يظل منخفضًا رغم النمو الاقتصادي.
تعد مسألة تضمين الإنفاق الحكومي غير المفيد في حسابات الناتج المحلي الإجمالي من أبرز الانتقادات لطرق قياس اقتصادات الدول. فالإنفاق على الحروب، أو الأمن، أو مكافحة الجريمة، أو بناء بنى تحتية غير ضرورية، مثل المدن السكنية المهجورة أو الجسور غير المستخدمة، يؤدي إلى تضخيم النشاط الاقتصادي بشكل مصطنع.
حذر بعض الاقتصاديين من التغييرات التي قد تطرأ على هيكل الحسابات القومية الحالي، حيث قد تؤدي هذه التعديلات إلى تقلبات كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، مما يصعب تحديد صحة الاقتصاد الأمريكي بصورة دقيقة.
يرى أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة لويولا ماريماونت، سونغ وون سوهن، أن الأسواق قد ترفض هذا التغيير، موضحًا أن هذا الفاصل بين الإنفاق الحكومي والناتج المحلي الإجمالي قد يجعل من المستحيل مقارنة أداء الاقتصاد الأمريكي مع الاقتصادات الأخرى في العالم.