ديب سيك الصينية..منافس جديد في سوق الذكاء الاصطناعي يتحدى عمالقة وادي السيليكون
نجحت شركة “ديب سيك” الصينية في زعزعة استقرار مئات المليارات من الدولارات المخصصة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد تطويرها لنماذج بمستوى أداء مشابه لما تقدمه شركات كبرى مثل “جوجل” و”أوبن إيه آي”، لكن بتكلفة منخفضة بشكل ملحوظ.
ولكن من هو “ليانغ وينفينج”، البالغ من العمر 40 عامًا، الذي أسس هذه الشركة الناشئة لتنافس عمالقة التكنولوجيا الأمريكية وتُحدث تأثيرًا كبيرًا على قيمتها السوقية؟
في الوقت ذاته، أصبح “وينفينج” رمزًا لطموحات الصين في تجاوز القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير التقنيات المتقدمة.
وُلد “ليانغ” في عام 1985 في مدينة تشانجيانغ بمقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين. على الرغم من نشأته في بيئة تفضل الأعمال التجارية على التعليم، إلا أن “ليانغ” كان مولعًا بالدراسة والتحصيل العلمي. انضم إلى جامعة “تشجيانغ” في سن السابعة عشر وتخصص في هندسة الإلكترونيات وعلوم الكمبيوتر، ليحصل على درجة الماجستير في عام 2010.
على عكس العديد من قادة مجال الذكاء الاصطناعي الذين نشأوا في وادي السيليكون، جاء “ليانغ” من عالم التمويل. بعد تخرجه، شارك في تأسيس صندوق التحوط الكمي “هاي-فلاير” في عام 2015، الذي اعتمد على الخوارزميات الرياضية المعقدة للتداول بدلًا من التحليل البشري.
سرعان ما دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التداول الخاصة بالصندوق لتحليل اتجاهات السوق واتخاذ قرارات الاستثمار.
وبحلول نهاية عام 2021، كانت محفظة صندوقه قد تجاوزت الـ100 مليار يوان (13.79 مليار دولار). لكن في أبريل 2023، أعلن “ليانغ” عن تغيير استراتيجي، إذ قرر أن يوسع نطاق عمله خارج الاستثمار، متوجهًا إلى تطوير الذكاء الاصطناعي العام.
في عام 2021، بدأ “وينفينج” بشراء الآلاف من رقائق “إنفيديا” كجزء من مشروع جانبي للذكاء الاصطناعي، وذلك قبل أن تقيد الولايات المتحدة صادرات هذه الرقائق إلى الصين.
وقد صرح أحد شركائه لصحيفة “فاينانشال تايمز” بأن “ليانغ” كان يتحدث عن فكرة إنشاء مجموعة من 10 آلاف شريحة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة به، وهو ما اعتُبر حينها أمرًا غريبًا وصعب التصديق.
في ديسمبر 2023، أطلق “ليانغ” شركته الناشئة “ديب سيك”، مع التركيز على تطوير الذكاء الاصطناعي العام. وفي العام التالي، أصدرت “ديب سيك” أول نموذج لغوي كبير لها. كان “ليانغ” يولي أهمية كبيرة للمواهب الصينية، مقدمًا رواتب سخية على غرار شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “بايت دانس” و”علي بابا”.
في حديثه العام الماضي، أوضح “ليانغ” أن الشركات الصينية كانت تعتمد لسنوات على التكنولوجيا المستوردة، لكن هذا ليس مستدامًا على المدى الطويل. وقال: “هدفنا ليس تحقيق أرباح سريعة، بل دفع الحدود التقنية للمساهمة في نمو النظام البيئي”.
و أقر “ليانغ” بأن الابتكار يتطلب تمويلًا ضخمًا، إلا أنه يرى أن ما تحتاجه الصين في الوقت الراهن ليس المال فقط، بل الثقة والقدرة على جذب وتنظيم المواهب. وأضاف أن السوق الصينية قد تطورت، وأصبحت الشركات مثل “بايت دانس” و”تنسنت” لاعبين عالميين يحققون أرباحًا ضخمة.
و يتميز “ديب سيك” بنهج عمل غير تقليدي، حيث لا يوجد هيكل هرمي صارم، مما يعزز التعاون بين الموظفين. كما أن الشركة لا تضع قيودًا على الوصول إلى الموارد الحوسبية أو الموظفين، مما يسمح لأي شخص لديه فكرة جيدة بالاستفادة من مجموعات التدريب في أي وقت.
و يمثل نجاح “ديب سيك” مفاجأة للعديد في وادي السيليكون، حيث تعود العديد من الشركات الصينية إلى دور التابع بدلًا من المبتكر. وقال “ليانغ” في مقابلة له إن قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين لا يمكن أن يظل تابعًا للأبد، وهو ما يعكس طموحات الصين في تغيير المعادلة التكنولوجية العالمية.
نجح “ليانغ” في إثارة دهشة عمالقة وادي السيليكون وتحويل دفة طفرة الذكاء الاصطناعي من الولايات المتحدة نحو الصين. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل بإمكان “ديب سيك” الاستمرار في التنافس مع الشركات الأمريكية الكبرى؟
وهل ستكون هذه الشركة بداية عصر جديد من الابتكار التكنولوجي الذي يغير مجرى السباق العالمي في الذكاء الاصطناعي؟