يوتلسات تتحدى هيمنة ستارلينك لتعزيز أمن الإنترنت عبر الأقمار الصناعية

أثارت تصريحات إيلون ماسك، مؤسس شركة سبيس إكس، حول إمكانية وقف خدمات شبكة “ستارلينك” في أوكرانيا، حالة من القلق لدى المؤسسات الأمنية الأوروبية.
فشبكة الإنترنت الفضائي هذه تُعتبر شرياناً حيوياً للقوات الأوكرانية، إذ تُستخدم في الاتصالات والتحكم في الطائرات المسيّرة وتنسيق العمليات العسكرية منذ بدء الغزو الروسي عام 2022.
هذا التصريح لم يأتِ في فراغ، إذ يتزامن مع مخاوف متزايدة في أوروبا من التقلبات في السياسة الأمريكية، خاصة مع عودة خطاب إدارة ترامب المُتشكك من حلفائه الأوروبيين، وسعي بعض الدول الأوروبية للتقليل من اعتمادها على الشركات الأميركية، لا سيما تلك التي يملكها شخص مثير للجدل مثل ماسك.
في مواجهة هذا الواقع، تسعى الحكومات الأوروبية إلى تعزيز بدائل محلية. وقد وُضعت شركة “يوتلسات”، ومقرها قرب باريس، في صلب هذه الجهود، عبر شبكتها “OneWeb” للإنترنت عبر الأقمار الصناعية.
وتهدف الخطة إلى توفير بديل احتياطي فوري في أوكرانيا، وفي المدى المتوسط، بناء بنية تحتية فضائية أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة.
لكن الطريق أمام يوتلسات ليس سهلاً. فرغم قدرتها على إرسال 5,000 محطة “OneWeb” إلى أوكرانيا خلال أسابيع، تبقى تكلفة هذه المحطات مرتفعة (3200 دولار للوحدة مقابل أقل من 400 دولار لوحدات ستارلينك)، وحجمها أكبر، ما يطرح تساؤلات حول جدوى المنافسة الفعلية على المدى القصير.
لتعزيز حضورها، تحتاج يوتلسات إلى استثمارات ضخمة تُقدّر بـ4 مليارات يورو لتوسيع وتجديد أسطولها من الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض، وهو ما يعوّل فيه الأوروبيون على دعم من حكومات فرنسا وبريطانيا، إلى جانب رجل الأعمال الهندي سونيل بهارتي ميتال، أحد أبرز المساهمين في الشركة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه أمازون إلى دخول السباق عبر مشروعها الفضائي “كويبر”، وتُطلق الصين بدورها شبكة منافسة، تدور منافسة شرسة في السماء على السيطرة على سوق الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.
القلق الأوروبي لم يتوقف عند حدود أوكرانيا. حتى في إيطاليا، تسببت الشكوك حول موثوقية ماسك في تأجيل توقيع عقد حكومي كانت تسعى ستارلينك للحصول عليه، رغم العلاقة الوثيقة بين ماسك ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني. وتفكر روما حالياً في بدائل، منها يوتلسات.
تاريخياً، تأسست يوتلسات عام 1977 لتكون ذراعاً أوروبية مستقلة في مجال الأقمار الصناعية. وقد انخرطت منذ 2021 في شبكة “OneWeb” البريطانية، التي توفر خدمات منخفضة المدار تسمح باتصالات أسرع وأكثر فاعلية، لكنها أيضاً أعلى تكلفة وأكثر تعقيداً من الناحية اللوجستية.
بين الطموح والواقع، تبقى يوتلسات خياراً استراتيجياً بالنسبة لأوروبا، لكنها بحاجة إلى دعم سياسي ومالي كبير لتشكل بديلاً حقيقياً لستارلينك.
في زمن تعصف فيه التوترات الجيوسياسية، تتعلم أوروبا أن الاعتماد على شركات خاصة أجنبية – حتى وإن كانت رائدة – قد لا يكون ضمانة كافية لأمنها الاستراتيجي.