الفرص الاستثمارية في الأزمات…كيف يحقق كبار المستثمرين أرباحًا وسط التقلبات الاقتصادية؟

يعيش الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين الشديد، نتيجة للسياسات الحمائية التي تتبعها الولايات المتحدة، مما أطلق حروبًا تجارية على مستوى العالم.
ورغم التوصل إلى حلول مؤقتة لبعض القضايا، إلا أن “راي داليو”، المدير التنفيذي لصندوق “بريدجووتر”، يشير إلى أن ما يحدث اليوم يغير بشكل كامل قواعد التجارة والسياسات المالية والنقدية.
مع هذا التحول الكبير في المشهد الاقتصادي، من الطبيعي أن تشهد أسواق الأسهم والاستثمارات تقلبات حادة، سواء بسبب الأخبار المتناقضة أو بسبب الظرف الاقتصادي الذي يجعل بعض القوى الكبرى في الأسواق تستغل تلك التقلبات لتحقيق أرباح ضخمة.
وهنا يظهر دور كبار المستثمرين الذين يملكون خبرات كبيرة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية.
في ذروة الأزمة المالية العالمية عام 2008، استثمر وارن بافيت 5 مليارات دولار في بنك جولدمان ساكس من خلال شراء أسهم ممتازة تمنحه عائدًا سنويًا بنسبة 10%، مع خيار شراء أسهم عادية أخرى بقيمة 5 مليارات دولار.
هذه الصفقة كانت فريدة من نوعها، حيث ضمنت لبافيت عائدًا ثابتًا وأتاحت له رهانًا على بنك قوي تضرر بسبب الأزمة المالية. في النهاية، جنى بافيت حوالي 4 مليارات دولار من هذه الصفقة خلال 3 سنوات فقط.
البنك استفاد من استثمار بافيت، حيث تلقى سيولة ضرورية في وقت كان فيه يعاني من ضغوط شديدة، بينما ساعدت هذه الخطوة في تقوية موقف البنك تجاه الأزمة. كما يعتقد بافيت أن البنوك الكبرى ذات الإدارة الجيدة ستنجو من الأزمات، وهو ما دفعه للاستثمار في عدد من البنوك الكبرى.
لقد أظهر بافيت مرونة كبيرة في التنقل بين القطاعات المختلفة خلال الأزمات. ففي الوقت الذي كانت أسعار الأسهم تتراجع في العديد من الشركات، قام بالاستثمار في قطاعات كالبنية التحتية والطاقة، مثل شراء أسهم في شركات “كونوكو فيليبس” و”إكسون موبيل”.
بالإضافة إلى ذلك، قام بافيت بزيادة استثماراته في شركات الرعاية الصحية.
أحد الجوانب التي تميز استراتيجيات بافيت هو توفيره لسيولة مالية ضخمة لمثل هذه الأوقات، حيث كان لديه 40 مليار دولار في خزانته عندما كانت الأسواق في حالة من الركود. اليوم، يقدر أن لديه 334 مليار دولار في جعبته للاستفادة من الفرص الحالية.
من بين المستثمرين الذين اتبعوا استراتيجيات موازية لبافيت في الأزمات، نجد المستثمر الشهير “كارل إيكان”، الذي استخدم أسلوب شراء حصص كبيرة في شركات وأثر على القرارات الإدارية لتوجيه الشركات نحو استراتيجيات أكثر ربحية.
لكن هذا الأسلوب يتطلب رأس مال كبير وعلاقات وثيقة مع الشركات المستهدفة، لذا فهو ليس متاحًا لجميع المستثمرين.
أما بالنسبة للمستثمر “مايكل باري”، فقد اشتهر بلجوئه إلى البيع على المكشوف، وهو أسلوب محفوف بالمخاطر وغير متاح في كثير من الأسواق، مما يجعله خيارًا غير موصى به بشكل عام.
أحد أبرز الأسئلة التي تثار في أوقات الأزمات هو: أي الأسهم يمكن أن ترتفع قيمتها؟ في الأزمة المالية العالمية، ارتفعت أسهم شركات مثل “نتفليكس” بسبب التحول الكبير في سلوك المستهلكين نحو مشاهدة المحتوى عبر الإنترنت.
وبالمثل، فإن الشركات الصغيرة في قطاع الذكاء الاصطناعي قد تشهد نمواً في المستقبل، رغم أنها تحمل درجة عالية من المخاطر.
كما أن الذهب، كأصل آمن، شهد ارتفاعًا كبيرًا في هذه الفترات، وهو ما يتوقع أن يستمر مع تزايد أزمات الأسواق العالمية.
الدرس الذي يمكن استخلاصه من تحركات كبار المستثمرين هو أن الأزمات ليست نهاية للفرص، بل هي بداية لفرص جديدة. المفتاح هو اختيار الأسهم أو الأصول بعناية فائقة، والاحتفاظ بقدر من السيولة لاستغلال الفرص عندما تطرأ. ولعل أهم عنصر في هذه المعادلة هو الصبر، حيث إن الأزمات الاقتصادية لا تختبر فقط عقل المستثمر، بل أعصابه أيضًا.
يمكن للمستثمرين تحقيق أرباح ضخمة في الأوقات العصيبة، لكن النجاح يعتمد على اتخاذ قرارات مدروسة، وتحلي بالصبر، والاستفادة من الدروس المستفادة من الأزمات السابقة.