أزمة الطاقة تتحدى طموحات عمالقة التكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي

في ظل التحول المتسارع نحو اقتصاد رقمي يعتمد بشكل متزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تواجه شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى تحديات متصاعدة تهدد قدرتها على مواصلة توسعها.
هذه الشركات، التي تتصدر المشهد الرقمي العالمي، تعاني اليوم من أزمات حقيقية في توفير المكونات الأساسية مثل الرقائق الإلكترونية، بالإضافة إلى ضغوط متزايدة على شبكات الطاقة لتلبية الطلب المتصاعد على الكهرباء اللازمة لتشغيل مراكز بياناتها العملاقة.
شهدت الأسواق ارتفاعًا حادًا في أسعار معدات مراكز البيانات مثل المحولات وأجهزة التبديل بسبب نقص العرض، مع طول فترات الانتظار لتوريد هذه الأجهزة الحيوية.
في الوقت ذاته، تعاني شبكات الكهرباء التقليدية من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الهائلة لوادي السيليكون ومراكز التكنولوجيا الأخرى، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى إصدار خطة عمل خاصة بالذكاء الاصطناعي، محذرة من أن ضعف القدرة الطاقوية قد يهدد تفوق البلاد في هذا المجال الحيوي.
يتزايد الطلب على الطاقة بوتيرة متسارعة، مع استثمارات ضخمة تعلن عنها شركات مثل ألفابت، وأمازون، ومايكروسوفت، وميتا.
ففي يوليو الماضي، أعلنت ألفابت رفع ميزانيتها الرأسمالية لعام 2025 بمقدار 10 مليارات دولار، ليصل إجمالي الإنفاق المتوقع لأكبر أربع شركات إلى 322 مليار دولار، مقارنة بـ125 مليار قبل أربع سنوات فقط.
يركز هذا الإنفاق الهائل على إنشاء مراكز بيانات عملاقة، منها مشروع “بروميثيوس” الذي أعلن عنه مارك زوكربيرج، ويغطي مساحة توازي حجم مانهاتن.
تتكدس داخل هذه المراكز شرائح الذكاء الاصطناعي التي تستهلك طاقة تفوق عشر مرات ما كانت عليه سابقًا، ويُتوقع أن تستهلك مراكز البيانات وحدها حوالي 12% من إجمالي استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2028، ما يشكل ضغطًا هائلاً على شبكات لم تصمم أصلاً للتعامل مع هذه الأحمال.
مع امتلاء المواقع التقليدية مثل شمال فيرجينيا، والاقتراب من الامتلاء في مناطق مثل أوريغون وأوهايو، بدأت الشركات تبحث عن حلول جديدة، بما في ذلك الشراكة مع مزودي خدمات سحابية أصغر تحولوا منشآت تعدين العملات الرقمية إلى مراكز بيانات تلبي احتياجات الذكاء الاصطناعي.
غير أن التحول الأبرز يكمن في رغبة هذه الشركات بالسيطرة الكاملة على مصادر طاقتها، حيث تتوقع أن تمتلك 27% من مراكز بياناتها مصادر طاقة خاصة بحلول 2030.
استثمارات ضخمة توجه لبناء محطات طاقة شمسية وغاز طبيعي ومحطات نووية معيارية صغيرة. جوجل، على سبيل المثال، أبرمت صفقة بقيمة 20 مليار دولار لإنشاء مركز بيانات مع محطة طاقة شمسية ملحقة، في حين سيحصل مشروع “بروميثيوس” على جزء من طاقته من الغاز الطبيعي في الموقع.
لا تقتصر الجهود على توليد الطاقة فقط، بل تشمل تحسين الشبكات الكهربائية من خلال اعتماد بطاريات لتخزين الطاقة، وتحديث خطوط النقل، مع تنسيق لتقليل استهلاك الكهرباء في أوقات الذروة.
دولياً، تتوسع الاستثمارات نحو بناء مراكز بيانات في الخليج العربي بدعم من صناديق سيادية، إضافة إلى مواقع في إسبانيا وماليزيا تستفيد من طاقة شمسية وفيرة وتكلفة كهرباء منخفضة.
ومع ذلك، يظل مستقبل هذه الاستثمارات غير مضمون، فمشاريع ضخمة مثل “ستارجيت” التي تقودها أوبن إيه آي تواجه مشاكل بسبب خلافات حول مصادر الطاقة.
كما يحذر الخبراء من أن مراكز البيانات الضخمة قد تتحول إلى “أصول عالقة” إذا تغيرت متطلبات الذكاء الاصطناعي فجأة، مما يضيف طبقة من المخاطر إلى هذه الرهانات الكبيرة.
وسط كل هذه التحديات، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن لعمالقة التكنولوجيا أن يضمنوا إمدادات الطاقة المستدامة لإطعام “الوحش الرقمي” الذي صنعوه بأيديهم، في وقت لا يزال فيه الطلب المستقبلي على الذكاء الاصطناعي غامضًا ومتقلبًا؟