في ظل انتقادات الأداء.. الوكالة الوطنية للدعم تختار ‘الترويج الرقمي’ بدل معالجة إشكالات المستفيدين

في وقت تتزايد فيه المطالب بإصلاح جذري لبرامج الدعم الاجتماعي، اختارت الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي أن تطلق مشروعًا تواصليًا واسع النطاق تحت مسمى: “استراتيجية للتحسيس والتواصل مع مستفيدي برامج الدعم الاجتماعي”، بكلفة تناهز 1.5 مليون درهم.
هذا المشروع، الذي يأتي وسط ظرف سياسي متوتر وفي سنة انتخابية حاسمة، فجّر موجة من التساؤلات حول أولويات المؤسسة المكلفة بتدبير أحد أكثر الملفات الاجتماعية حساسية في البلاد.
الصفقة، المبرمجة ليوم 28 يوليوز الجاري، تتعدى مجرد إنتاج محتوى تقني توعوي، لتشمل حملة دعائية متعددة الأبعاد، تتضمن تصوير كبسولات فيديو، وإنجاز رسوم متحركة، وإعداد منشورات موجهة لشبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تمويل إعلانات مدفوعة على منصات مثل فيسبوك وتيك توك وإنستغرام.
كما يتضمن المشروع إجراء دراسة ميدانية لتصنيف المستفيدين وفق “بروفايلات” اجتماعية وسلوكية.
وينص دفتر التحملات على منح الشركة المتعاقدة مهام النشر الرقمي، والتفاعل مع الجمهور، وتحليل البيانات الرقمية، ورصد التوجهات العامة للرأي، تحت إشراف الوكالة.
غير أن مصادر مطلعة ربطت هذا النوع من المهام بحدود الدور الإداري لمؤسسة عمومية، خاصة حين يتعلق الأمر بإنتاج سرديات إعلامية قد تُوظّف لأغراض تتجاوز الإخبار والتوعية، وتقترب من دائرة التأثير السياسي الناعم، ولو بشكل غير مباشر.
المصادر ذاتها وصفت المشروع بأنه استمرار لنهج تواصلي فوقي، يركز على الصورة دون معالجة حقيقية لمواطن الخلل في برامج الدعم، كتعقيد مساطر الاستفادة، وغياب الشفافية، وضعف آليات الاستحقاق، ما يكرس – حسب قولهم – فجوة بين الخطاب الرسمي وواقع المواطنين.
وتأتي هذه المبادرة الترويجية في وقت تواجه فيه الوكالة انتقادات متصاعدة بسبب ضعف الأداء وغياب الأثر الملموس، رغم إدارتها لميزانية تفوق 30 مليار درهم سنويًا، وارتباطها بتمويلات خارجية ضخمة من البنك الدولي تجاوزت 1.6 مليار دولار.
ويعتبر منتقدو المشروع أن المغرب بات “يرتهن لتمويل خارجي دون نتائج اجتماعية حقيقية على الأرض”.
وتجدر الإشارة إلى أن المديرة الحالية للوكالة، وفاء جمالي، عُينت قبل أقل من عام، وتربطها علاقات وثيقة بدوائر رئاسة الحكومة، وهو ما غذى نقاشات حول استقلالية القرار داخل الجهاز. ويُعد المشروع التواصلي الحالي أحد أبرز تحركاتها منذ تسلمها المنصب، في لحظة سياسية دقيقة ومليئة بالتوترات.
ورغم محاولات الوكالة تقديم نفسها كركيزة مؤسساتية لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية الملكي، إلا أن بطء التنفيذ، وعدم تكافؤ الخدمات بين المناطق، وغياب قنوات تواصل فعالة مع المواطنين، تجعل من التركيز على “الصورة الرقمية” استثمارًا مثيرًا للجدل، يطرح أكثر مما يجيب، بشأن أولويات العمل الاجتماعي في المغرب.