المعادن النادرة كسلاح استراتيجي: كيف تستخدم الصين كنوزها الأرضية في مواجهة واشنطن؟

في خضم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، تمتلك بكين ترسانة من الأدوات الاقتصادية التي تتجاوز بكثير الرسوم الجمركية، ولعل أبرزها وأكثرها حساسية هو ملف المعادن الأرضية النادرة.
هذا السلاح غير التقليدي بات يلوّح في الأفق كمصدر ضغط محتمل وفعال ضد واشنطن، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى استخدامه وتأثيره على الإدارة الأمريكية.
تتكون هذه المجموعة من 17 عنصراً كيميائياً، ليست نادرة بالمعنى الجيولوجي، لكنها صعبة الاستخراج ومعقدة التنقية، وتُستخدم في معظم الصناعات التقنية والعسكرية الأمريكية، بدءًا من أنظمة الدفاع والصواريخ، مرورًا بالطائرات الحربية، ووصولًا إلى رقائق الكمبيوتر والسيارات الكهربائية.
في خطوة تصعيدية محسوبة، أعلنت الصين فرض قيود على تصدير سبعة من هذه المعادن، من بينها الساماريوم، التيربيوم، والجادولينيوم. هذه الخطوة لم تحظر التصدير بشكل مباشر، لكنها اشترطت الحصول على تراخيص خاصة، ما يمنح السلطات الصينية القدرة على التحكم في وجهة الإمدادات، ومنعها تحديدًا عن الشركات الأمريكية ذات الصلة بالصناعات الدفاعية.
رسالة بكين كانت واضحة: إذا أرادت الولايات المتحدة التصعيد، فإن للصين وسائل أكثر تأثيرًا للرد. ومع ذلك، يبدو أن القيادة الصينية لا ترغب في قطع الإمدادات بالكامل، إذ إن هذا القطاع يدرّ عليها عائدات ضخمة، كما أن الاعتماد المفرط عليه كسلاح قد يُحفّز واشنطن على تسريع إيجاد بدائل.
تشير الإحصاءات إلى أن الولايات المتحدة استوردت نحو 70% من حاجتها من المعادن الأرضية النادرة من الصين خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2023.
وعلى الرغم من وجود بعض المخزونات لدى شركات الصناعات الجوية والدفاعية، إلا أن حجمها لا يكفي لتلبية الطلب لبضعة أشهر.
ووفقاً لـ”مارك سميث”، المدير التنفيذي لشركة “نيوكورب”، فإن كل طائرة حربية أمريكية تحتوي على هذه المعادن، ما يعني أن أي اضطراب في الإمدادات ستكون له انعكاسات فورية على جاهزية الجيش الأمريكي.
إدراكًا لهذا التهديد، اتخذ الرئيس دونالد ترامب عدة خطوات لمحاولة تنويع مصادر الإمداد، من بينها التفاوض مع أوكرانيا لتطوير قدراتها في هذا المجال، بالإضافة إلى توجيه الوكالات الفيدرالية للبحث عن موارد محلية قابلة للاستغلال.
إلى أي مدى تعتمد أمريكا على واردات الصين من المعادن الأرضية النادرة؟ |
|
الدولة |
النسبة من إجمالي واردات أمريكا من المعادن النادرة |
الصين |
%70 |
ماليزيا |
%13 |
اليابان |
%6 |
إستونيا |
%5 |
الدول الأخرى |
%6 |
لكن بحسب خبراء، فإن إحياء قطاع التعدين الأمريكي لن يتم بين ليلة وضحاها، خاصة في ظل تراجع عدد خريجي هندسة التعدين وتدهور الخبرات الوطنية في هذا المجال خلال العقود الأخيرة.
إن التلميحات الصينية باستخدام المعادن الأرضية النادرة كسلاح تجاري تعبّر عن حجم النفوذ الذي تتمتع به في هذه السوق الحساسة، لكن استخدامها بشكل كامل قد يأتي بتكلفة اقتصادية وسياسية مرتفعة.
ومع ذلك، فإن مجرد التلويح بهذا السلاح قد يكون كافيًا لإرباك خطط واشنطن العسكرية والصناعية، وربما يدفعها إلى مراجعة استراتيجياتها في إدارة الصراع مع بكين.