الذكاء الاصطناعي..من تحسين العمليات إلى تغيير الأنظمة

في مختبرات متطورة في سنغافورة، يتعاون الذكاء الاصطناعي مع الأطباء لاكتشاف السرطان بسرعة ودقة غير مسبوقة.
وفي كينيا، تقوم المستشعرات الذكية بتحليل التربة لتوجيه المزارعين نحو الري الأمثل وزيادة الإنتاجية. في القطب الشمالي، تساعد نماذج التعلم الآلي في تحليل صور الأقمار الصناعية لمراقبة ذوبان الجليد، وتقديم تنبؤات حول ارتفاع منسوب البحار.
هذه التطبيقات ليست مجرد أمثلة، بل دليل حقيقي على قدرة الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في حل التحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم، من تغير المناخ إلى الرعاية الصحية.
ومع ذلك، ما زال التركيز في معظم الأحيان منصبًا على التطبيقات المحدودة للذكاء الاصطناعي، مثل المساعدين الافتراضيين وبرامج الدردشة.
بينما تظل إمكانيات هذه التقنية العميقة غير مستغلة بالشكل الأمثل. فهل نحن مستعدون للاستفادة من هذه القدرة لتغيير الصناعات والمجتمعات بشكل جذري؟
في قمة الذكاء الاصطناعي التي انعقدت في باريس، كان قادة العالم يتسابقون لاستثمار مليارات الدولارات في هذا المجال.
لكن وسط الضجيج الإعلامي، يغيب التركيز على الإجراءات الملموسة التي تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة القضايا الكبرى التي تتجاوز قدرات البشر. فبينما توفر التقنيات الحالية القدرة على التعامل مع هذه التحديات، ما زالت إمكاناتها في مرحلة الاستكشاف.
وفي الوقت الذي تركز فيه العديد من الشركات على تحسينات تدريجية، فإنَّ إمكانيات الذكاء الاصطناعي الحقيقية لا تزال بعيدة عن متناول اليد.
إعادة التفكير في كيفية تبني الذكاء الاصطناعي والتعامل معه بطريقة شاملة أمر بالغ الأهمية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد تشكيل الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية بالكامل من خلال عدة خطوات، مثل:
الرعاية الصحية المتقدمة: تحسين دقة التشخيصات، أتمتة المهام الإدارية، وتسريع تطوير الأدوية.
إعادة تعريف القوى العاملة: تحرير المهنيين من الأعمال المتكررة، مما يتيح لهم التركيز على الابتكار والإبداع.
إدارة الموارد والاستدامة: مراقبة التغيرات البيئية باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة.
لكن لتحقيق هذا التحول، يتطلب الأمر عناصر تمكين قوية، مثل إعادة تنظيم السياسات، بناء بنية تحتية مشتركة، وتحقيق العوائد التي تضمن استدامة الاستثمار طويل الأجل.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لتحسين الكفاءة أو تقليل التكاليف. بل هو قوة تحول حقيقية. يجب أن تكون هذه التقنية متاحة للجميع، وليس فقط للدول القادرة على الوصول إلى مواردها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُستخدم بشكل مسؤول، مع ضمان الشفافية والثقة بين المستخدمين والمطورين.
في النهاية، التكنولوجيا لا يمكن أن تُحدث التغيير إذا لم يتم استخدامها بوعي من البشر. وإذا تم توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، يمكن أن نكون على أعتاب تحول حقيقي قادر على مواجهة التحديات العالمية.