الشوكولاتة تحت الضغط: كيف تتصدى الصناعة للتحديات الاقتصادية؟

لطالما كانت الشوكولاتة رمزًا للمتعة التي لا تقاوم، فهي تستهوي الجميع عبر مختلف الأعمار والثقافات، مما دفع العديد من الأشخاص إلى تخصيص ميزانية شهرية لها.

فمن المتاجر المليئة بأنواع متعددة من الشوكولاتة إلى الاحتفالات التي لا تخلو منها، تبقى هذه الحلوى جزءًا أساسيًا من سلوكياتنا الاستهلاكية.

لكن في الوقت الراهن، تفرض التقلبات الاقتصادية تحديات كبيرة على محبي الشوكولاتة، إذ أصبح قرار شراء هذا المنتج مفعمًا بالتساؤلات: هل نواصل التمتع بها رغم تكاليفها المتزايدة، أم نتخلى عنها لمصلحة الميزانية؟

يظهر هذا التحول في عادات الاستهلاك ليس فقط كدليل على التأثيرات الاقتصادية العميقة، ولكن أيضًا كواحدة من انعكاسات التحولات الكبرى التي يواجهها المستهلكون عالميًا في وقتنا الحالي.

تواجه صناعة الشوكولاتة تحديات متعددة منذ عام 2024، كان أبرزها ارتفاع أسعار مكونها الأساسي: الكاكاو.

فقد أسهمت عدة عوامل في هذا الارتفاع، بدءًا من التقلبات المناخية في غرب إفريقيا، المتمثلة في الأمطار الغزيرة غير المتوقعة، وصولاً إلى تفشي الأمراض التي تصيب المحاصيل مثل فيروس تورم براعم الكاكاو.

هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تقليص الإنتاج بشكل ملحوظ، ما رفع أسعار الكاكاو بشكل كبير.

وفي عام 2024، تسبب الجفاف الحاد في مناطق مثل غانا في تضرر المحاصيل وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

وفي الوقت ذاته، لا تقتصر الأزمة على غرب إفريقيا وحدها، بل شهدت مناطق أخرى منتجة للكاكاو مثل جواتيمالا ظروفًا مشابهة، حيث أعلن المزارعون أن محصولهم يواجه الموت بسبب نقص المياه.

التأثيرات البيئية العالمية على محصول الكاكاو دفعت العديد من المنظمات إلى الدعوة للعمل على خفض الانبعاثات المسببة لارتفاع درجات الحرارة وتوفير الدعم للمزارعين للتكيف مع التغيرات المناخية.

وبحسب تصريحات المختصين في صناعة الشوكولاتة، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل ملحوظ خلال الفترة المقبلة.

خلال العامين الماضيين، ارتفعت تكاليف تصنيع الشوكولاتة بأكثر من 167%، مما أدى إلى رفع الشركات لتكلفة المنتجات على المستهلكين.

ومن بين هذه الشركات، أكد “آندي سودن”، من شركة كيرنو، أن تكلفة بيع الشوكولاتة بالجملة في 2025 باتت تتجاوز تكلفة البيع بالتجزئة في عام 2023.

وقد ذكرت شركة ليندت السويسرية في تقريرها لعام 2024 أن هذا العام كان مليئًا بالتحديات بسبب زيادة تكاليف الكاكاو بشكل غير مسبوق، متوقعة استمرار هذا الاتجاه في عام 2025.

كما صرحت شركة هيرشي بأنها قامت بتخزين الكاكاو مسبقًا لتجنب تقلبات الأسعار الحالية.

رغم ارتفاع الأسعار، لا يزال أمام المستهلكين بعض الخيارات لتقليل التكاليف، مثل شراء أنواع الشوكولاتة التي تحتوي على كميات أقل من الكاكاو. وأوصى معهد ويلز فارجو بتوجيه المستهلكين إلى شراء الحلوى التي تحتوي على مكونات أقل تكلفة أو خيارات تحتوي على حشوات ليست من الكاكاو الخالص.

ومع تحسن الظروف المناخية في غرب إفريقيا، هناك إمكانية لتراجع أسعار الكاكاو. كما أظهرت أسواق العقود الآجلة للكاكاو في بورصة إنتركونتيننتال مؤخراً انخفاض الأسعار إلى ما دون 10 آلاف دولار للطن المتري، لكن الخبراء يحذرون من التقلبات السريعة في الأسعار بسبب الوضع المناخي.

تشير الدراسات إلى أن سوق الشوكولاتة العالمية بلغ حجمه في 2023 نحو 119.39 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 4.1% سنويًا من 2024 إلى 2030.

ويعكس هذا النمو الارتفاع الكبير في الطلب على الشوكولاتة، خاصة الشوكولاتة النباتية والعضوية.

كما أدى الوعي المتزايد بالفوائد الصحية للشوكولاتة الداكنة إلى تعزيز الإقبال عليها، حيث أظهرت الدراسات الصحية أنها تساهم في تحسين الدورة الدموية وتخفيض ضغط الدم.

و مع زيادة التضخم العالمي، شهدت السلع الفاخرة مثل الشوكولاتة تغييرات ملحوظة في عادات الاستهلاك.

ففي فترات التضخم، قد يقلل المستهلكون من الإنفاق على المنتجات غير الأساسية مثل الشوكولاتة، مما يؤثر على مبيعات الشركات. وقد أدى الارتفاع الكبير في معدلات التضخم في 2022 إلى ارتفاع الأسعار في معظم دول العالم، مما أجبر الناس على إعادة ترتيب أولوياتهم المالية.

في الختام، يظل تأثير التضخم على صناعة الشوكولاتة محفوفًا بالتحديات، ولكن إذا تبنت الشركات استراتيجيات مبتكرة والتزم المستهلكون باختيار الخيارات المناسبة، قد تظل الشوكولاتة جزءًا أساسيًا من تجاربنا الاستهلاكية وثقافاتنا العالمية.