أسرار اقتصاد هوليوود: كيف تُصنع النجوم في سوق حرة؟
عندما تفكر في تعلم الاقتصاد، لا تستعجل في البحث بين الكتب المعقدة أو التحليلات المالية المتخصصة. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون سير الحياة الشخصية للأشخاص المشهورين وكتبهم الترفيهية مصدرًا غير تقليدي لفهم مبادئ الاقتصاد.
واحدة من أبرز الأمثلة على ذلك هي مذكرات تيم ماثيسون، نجم هوليوود، في كتابه الجديد “سعيد جدًا بلقائك: سبعة عقود في عالم هوليوود”، الذي يقدم صورة عميقة عن الاقتصاد من خلال عدسة تجربته الشخصية.
مذكرات ماثيسون تتخطى مجرد السرد عن حياته المهنية في صناعة السينما. هو يقدم تحليلات غير مباشرة لآليات الاقتصاد، مع تسليط الضوء على مفاهيم مثل المنافسة والسوق الحرة.
رغم أن هوليوود تعرف بتوجهاتها السياسية اليسارية، إلا أن تجارب ماثيسون في هذا المجال تكشف عن حقائق تدعم النظام الاقتصادي القائم على السوق الحرة، بطريقة بسيطة وسلسة.
تيم ماثيسون ليس فقط نجمًا في أفلام مثل “Animal House” و”الجانب الغربي” (The West Wing)، بل هو أيضًا مثال حي على التغيرات غير المتوقعة في عالم الأعمال.
فمثلاً، فيلم “Animal House” الذي أطلقه إلى النجومية في 1978 كان محطّ أنظار هوليوود، ولكن نجاحه لم يكن نتيجة حتمية، إذ كان الممثل الكوميدي الشهير تشيفي تشيس قد رفض الدور نفسه لصالح مشروع آخر بدا واعدًا في ذلك الوقت.
هذه الواقعة تبرز الحقيقة الاقتصادية البسيطة: لا يمكن التنبؤ بنجاح أي مشروع. حتى القرارات التي تُتخذ بناءً على تقييمات دقيقة قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة. هذا الدرس ينسحب على جميع المجالات، من هوليوود إلى عالم الشركات الكبرى.
يُبيّن ماثيسون أن بعض الخيارات التي قد تبدو للوهلة الأولى صحيحة قد تؤدي إلى نتائج مخيبة. على سبيل المثال، عندما رفض ماثيسون دور البطولة في فيلم “Airplane!” وفضل العمل مع ستيفن سبيلبرج في فيلم “1941”، كان هذا الخيار ليس فقط مغريًا ولكن أيضًا صعبًا.
ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية لم تكن كما توقع، مما يسلط الضوء على تحديات التنبؤ بالنجاح حتى عندما تكون الخيارات مدروسة بعناية.
هذا الواقع يذكرنا بتجارب الشركات الكبرى مثل “بلاك بيري”، التي فقدت مكانتها في سوق الهواتف الذكية أمام “آيفون” من آبل، وهو درس حيوي عن تطور الأسواق والتنافس.
كما يناقش ماثيسون مفاهيم أوسع مثل الهوس الأمريكي بالصين والخوف من “سرقة الملكية الفكرية”. يرى أن التركيز المفرط على حماية “الأسرار التجارية” قد يعيق الابتكار.
النجاح في أي مجال لا يعتمد فقط على حماية الأفكار، بل على القدرة على توقع المستقبل وابتكار منتجات جديدة تستطيع تغيير قواعد اللعبة.
في هذا السياق، يتساءل ماثيسون: إذا كانت الصين فعلاً ترغب في سرقة التكنولوجيا الناجحة، فلماذا لم تستهدف “بلاك بيري” بدلاً من “آيفون”، الذي لم يكن ضمان نجاحه مؤكداً في البداية؟
يقدم ماثيسون أيضًا رؤى حية عن كيفية نجاح الأشخاص في صناعة الترفيه، مشيرًا إلى أن النجومية في هوليوود ليست مجرد تصفيق من الجماهير، بل هي نتاج المنافسة الشرسة والمثابرة. فمجرد اختيارك للطاولة في مطعم راقٍ أو تكوين علاقات جيدة مع كبار المديرين قد يكون الفارق بين النجاح والفشل.
ويؤمن ماثيسون بأن النجاح في هوليوود يعتمد على الجرأة والإبداع، وليس على التدخل الحكومي أو تأمين الوضع الراهن.
فالإبداع والمخاطرة هما الأساس، وهو ما يجسد النجاح الكبير لعمالقة مثل ستيف جوبز، الذي تجاوز حدود السوق التقليدية بإبداعاته.
بشكل عام، يعتبر ماثيسون أن صناعة الترفيه هي نموذج مصغر للاقتصاد العالمي، حيث الفشل هو الشريك الطبيعي للنجاح. ماثيسون يروي كيف أن مشروعًا مثل “The Quest” لم يُحقق النجاح المتوقع بسبب التوقيت السيئ لإطلاقه، ولكنه يعتبر هذه التجربة درسًا في أهمية الابتكار والمثابرة في مواجهة التحديات.
وحتى في الحديث عن الضرائب، يشير ماثيسون إلى أن الضرائب العالية على الأثرياء قد تثبط الاستثمار، وهو ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد بشكل عام.
ومن هنا، يبرز دعمه الكبير للحرية الاقتصادية كعامل أساسي في تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي.
في النهاية، تقدم مذكرات تيم ماثيسون رؤية شاملة عن كيفية تأثير المنافسة والمخاطرة على نجاح الأفراد والشركات. الكتاب ليس فقط سردًا لحياة نجم سينمائي، بل هو أيضًا دليل حي على مفاهيم اقتصادية أعمق حول السوق الحرة، المنافسة، والابتكار.
من خلال أسلوبه الجذاب، نجح ماثيسون في تقديم دروس اقتصادية بأسلوب غير تقليدي، مما يجعل كتابه قراءة ممتعة وملهمة لأي شخص يهتم بفهم العلاقة بين الفن، السوق، والإبداع.