بعد تحذيرات في 3 قارات .. العقارات التجارية تهدد بأزمة مصرفية جديدة
تصاعدت حدة المخاوف بشأن تداعيات أزمة العقارات التجارية في الولايات المتحدة على قطاع البنوك حول العالم.
وأصدرت عدة بنوك في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا خلال الأسبوع الماضي تحذيرات حول أعمالها المتأثرة بضعف العقارات التجارية، وسط مخاوف بشأن اتساع نطاق الأزمة الفترة المقبلة.
تصاعد أزمة العقارات التجارية
– يعاني سوق العقارات التجارية في الولايات المتحدة منذ ذروة وباء كورونا في عام 2020، مع تحول سياسة العمل إلى المنزل بدلاً من المكاتب، ما خفض الطلب وقلص التقييمات بشكل حاد.
– تسببت معدلات الفائدة المرتفعة في زيادة التكلفة التي تواجه قطاع العقارات التجارية لإعادة تمويل ديونها.
– انخفضت قيم العقارات التجارية الأمريكية بنسبة 22% منذ الربع الأول من عام 2022، عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة.
– كما انخفضت أسعار المكاتب بنسبة 35% مع ضعف الطلب على المساحات المكتبية بعد تسارع الاتجاه إلى العمل عن بعد.
– أصبح حوالي 14% من جميع القروض العقارية التجارية و44% من القروض المخصصة للمباني المكتبية في وضع سلبي لحقوق الملكية، ما يعني أن الدين أكبر من قيمة العقار ذاته، ما يزيد خطر عدم قيام المقترضين بسداد ديونهم.
– يتوقع “كيران رايشورا” نائب كبير الاقتصاديين العقاريين في “كابيتال إيكونوميكس” أن تتزايد الأدلة على الأزمة في قطاع العقارات التجارية الأمريكية هذا العام مع استحقاق المزيد من القروض، حيث سيضطر المقترضون إلى ضخ رأس مال جديد أو إعادة الأصول إلى البنوك أو بيع حيازتها من العقارات في السوق الضعيف حالياً.
– لا تقتصر المخاوف بشأن العقارات على الولايات المتحدة، حيث أعلنت شركة “جولويوس باير” السويسرية انخفاض أرباحها بأكثر من 50% بعد أن قامت بشطب 700 مليون دولار من أصولها نتيجة التعرض لمجموعة “سيجنا” العقارية النمساوية المتضررة من الأزمة.
– في أكتوبر الماضي، حذر صندوق النقد الدولي في تقرير الاستقرار المالي العالمي من وجود احتمالية لحدوث هبوط كبير في أسعار العقارات التجارية حول العالم، ما قد يؤدي إلى تشدد شروط التمويل وانخفاض أكبر للأسعار وتعرض البنوك لخسائر مالية.
تداعيات على القطاع المصرفي
– ترتبط العقارات التجارية بالبنوك، مع حقيقة أن الأخيرة تعتبر جهة إقراض رئيسية لأصحاب العقارات والمطورين، ما يضع المصارف في صدارة أزمة تراجع تقييمات العقارات وانخفاض استخدام المباني المكتبية.
– بالنسبة للمصارف، تعني أزمة العقارات التجارية ارتفاع احتمالات حدوث المزيد من حالات التخلف عن سداد الديون.
– تحتفظ البنوك الأمريكية بنحو 2.7 تريليون دولار من القروض التجارية والعقارية حتى الربع الثالث من العام الماضي.
– يرى “هارولد بوردوين” مدير شركة “كين سميت كابيتال” المتخصصة في إعادة التفاوض بشأن العقارات المتعثرة أن الميزانيات العمومية للبنوك لا تأخذ في الاعتبار حقيقة أن هناك الكثير من العقارات التي لن تؤتي ثمارها عند الاستحقاق.
– تواجه البنوك الأمريكية ديونًا مستحقة للعقارات التجارية بقيمة 560 مليار دولار بحلول نهاية العام المقبل، بحسب بيانات “تريب Trepp”.
– تعتبر البنوك المحلية الأكثر تضررًا بشكل خاص من أزمة العقارات التجارية لأنها تتعرض لهذا القطاع بشكل أكبر من المصارف الكبرى.
– تشكل قروض العقارات التجارية نحو 28.7% من أصول البنوك الأمريكية الصغيرة، مقابل 6.5% فحسب بالنسبة للمصارف الكبرى، بحسب “جيه بي مورجان”.
– تسبب هذا الانكشاف الكبير للبنوك المحلية في تدقيق من جانب السلطات التنظيمية، حيث ذكر رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” في نهاية العام الماضي أن جميع السلطات التنظيمية تعمل مع المصارف التي تمتلك تعرضًا كبيرًا للعقارات المتعثرة.
– قال “جاستن أونويكوسي” كبير مسؤولي الاستثمار في شركة إدارة الثروات “جيمس بليس” إنه من الواضح أن الارتباط بين العقارات التجارية والبنوك المحلية يمثل خطرًا كبيرًا في العام الحالي، ما يهدد القطاع التجاري والسكني والبنوك.
– من شأن تسجيل معدل التخلف عن سداد الديون 10% على العقارات التجارية أن يؤدي إلى خسائر للبنوك بقيمة 80 مليار دولار، ترتفع إلى 160 مليار دولار حال وصول معدل التخلف عن السداد إلى 20%.
– ذكر “ديفيد أفيرام” مدير “مافريك ريل أستيت” أن نسبة القروض التي أبلغت البنوك عنها باعتبارها متأخرة عن السداد تعتبر “قطرة في بحر” مقارنة بحالات التخلف المحتملة في العامين الجاري والمقبل.
– أشار “أفيرام” إلى أن البنوك لا تزال معرضة لمخاطر كبيرة، مشددًا على أن الهبوط المحتمل في معدلات الفائدة لن يحل مشاكل المصارف.
عودة القلق في أمريكا
– أثار بنك “نيويورك كوميونتي بانكورب New York Community” المخاوف مجددًا بشأن الميزانيات العمومية للبنوك المحلية الأمريكية، بعد أن حذر من تداعيات ضعف قطاع العقارات التجارية على أعماله.
– خفض البنك المحلي الأمريكي توزيعات الأرباح بنحو 70% لتصل إلى 0.05 دولار لكل سهم، مع رغبته في تعزيز رأس المال.
– سجل “نيويورك كوميونتي” خسارة فصلية بقيمة 252 مليون دولار، مقارنة بتوقعات كانت تشير إلى أرباح قدرها 206 ملايين دولار.
– جاءت خسائر البنك مدفوعة بمخصصات بقيمة 552 مليون دولار لخسائر الائتمان، جزء منها لمحفظة العقارات التجارية بشكل خاص.
– أدى شراء “نيويورك كوميونتي” لبنكي “سيجنتشر” و”فلاجستار” إلى دفع أصوله أعلى الحد التنظيمي البالغ 100 مليار دولار، والذي يخضع لمتطلبات أكثر صرامة تتعلق برأس المال والسيولة.
– وضعت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لبنك “نيويورك كوميونتي” تحت المراجعة السلبية لاحتمالية الخفض إلى النطاق غير الاستثماري “الخردة”.
– انخفض سهم البنك الأمريكي بنسبة قياسية بلغت 37.6% يوم الأربعاء الماضي، ليسجل أدنى مستوى في 23 عامًا.
– كما واصل الهبوط في الجلسة التالية، قبل أن يتعافى نسبياً في آخر جلسات الأسبوع المنقضي.
– كما انخفض مؤشر “كيه بي دبليو KBW Regional Banking Index” لأسهم البنوك المحلية الأمريكية يوم الأربعاء بأكبر وتيرة يومية منذ انهيار “سيجنتشر بنك” في مارس 2023.
– قال محللو “جيفريز” إن ردود الأفعال على نتائج أعمال “نيويورك كوميونتي” تعيد التذكير بالمخاطر التي لا تزال قائمة في قطاع البنوك المحلية.
– لم يتعاف قطاع البنوك المحلية الأمريكية بشكل كامل من الأزمة التي شهدها في العام الماضي، حينما انهارت عدة بنوك محلية تحت ضغط تدافع المودعين لسحب أموالهم خوفًا من إفلاس هذه المؤسسات.
– شملت هذه الانهيارات “سيليكون فالي بنك” و”سيلفرجيت” و”سيجنتشر بنك” و”فيرست ريبابليك”.
– تسببت هذه الأزمة آنذاك في تداعيات كبيرة، حيث اضطر الاحتياطي الفيدرالي والمنظمون الآخرون للتدخل من أجل توفير السيولة وطمأنة المودعين وتمكينهم من الحصول على أموالهم.
الأزمة تمتد إلى اليابان وأوروبا
– لم يتوقف الأمر على “نيويورك كوميونتي”، حيث شهدت الساعات التالية لصدور نتائج أعمال البنك الأمريكي ظهور تحذيرات أخرى من بنوك في اليابان وأوروبا.
– توقع بنك “أوزورا” الياباني تحقيق أول خسارة سنوية له منذ ذروة الأزمة المالية في عام 2009، مع قيامه بوضع مخصصات ضخمة لخسائر القروض العقارية التجارية الأمريكية.
– يرى البنك الياباني أنه قد يسجل خسارة بقيمة 28 مليار ين (190.5 مليون دولار) في العام المالي المنتهي في مارس المقبل، مقابل توقعاته السابقة بتحقيق أرباح بقيمة ملياري دولار.
– أشار البنك الياباني إلى أنه لن يدفع أي توزيعات نقدية للمساهمين عن باقي العام المالي الحالي.
– ذكر بنك “أوزورا” أن ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية أدى إلى خسائر في محفظة الأوراق المالية التابعة له، والتي تتكون معظمها من سندات أجنبية ومحفظة قروض المكاتب الأمريكية.
– توقع البنك الياباني أن الأمر قد يستغرق عامًا أو عامين إضافيين من أجل استقرار سوق العقارات التجارية الأمريكية، مشيرًا إلى مخصصات بقيمة 32.4 مليار ين لقروض المكاتب في الولايات المتحدة.
– انخفض سهم بنك “أوزورا” لأدنى مستوياته في ثلاث سنوات بعد إصدار هذه التحذيرات، بعد أن كان يتداول قرب أعلى مستوى في خمس سنوات قبل هذا الإعلان.
– على جانب آخر، رفع “دويتشه بنك” الألماني مخصصاته للخسائر المحتملة في قطاع العقارات التجارية الأمريكية.
– خصص البنك الألماني نحو 123 مليون يورو (133 مليون دولار) لمحفظته من العقارات التجارية في الربع الأخير من 2023، مقابل 26 مليون يورو في نفس الفترة من العام السابق له.
– تمثل قروض “دويتشه بنك” لقطاع المكاتب في الولايات المتحدة نحو 1.5% من إجمالي قروضه، ما يشمل عقارات في مدن بينها نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو.
– حذر البنك من أن إعادة تمويل القروض العقارية يعتبر الخطر الرئيسي حالياً، مشيرًا إلى احتمال استحقاق الديون على العقارات التي انخفضت قيمتها، ما يتطلب من المقترضين ضخ حقوق ملكية جديدة لتأمين المزيد من القروض