النقص الحاد في السيولة يدفع الليبيين إلى الاعتماد على البطاقات المصرفية وسط أزمة نقدية مستمرة
في ظل أزمة سيولة خانقة تعصف بالاقتصاد الليبي، بدأ العديد من المواطنين في اللجوء بشكل متزايد إلى البطاقات المصرفية، في محاولة لتخفيف معاناتهم من نقص الأموال المتوفرة في البنوك.
ورغم أن ليبيا غنية بمواردها الطبيعية، إلا أن سنوات من النزاع المستمر وعدم الاستقرار الاقتصادي أثقلت كاهل النظام المالي في البلاد، مما جعل الوصول إلى السيولة أمراً شاقاً.
في غالبية المدن الليبية، أصبحت عملية سحب الأموال تتسم بالتحديات الكبيرة. حيث يقف المئات من الزبائن لساعات طويلة أمام فروع البنوك، في انتظار دورهم لسحب النقود التي تنفد بسرعة بسبب نقص الإمدادات في النظام المصرفي.
ورغم ذلك، فإن مستوى الثقة في البنوك المحلية يظل ضعيفاً، مما يجعل الليبيين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم خارج النظام المصرفي، حيث لا تُعاد هذه الأموال بشكل متكرر إلى البنوك.
إضافة إلى مشكلة نقص السيولة، يعاني موظفو القطاع الحكومي، الذين يشكلون أغلب القوى العاملة في ليبيا (حوالي 2.3 مليون من أصل 2.6 مليون)، من تأخر رواتبهم بشكل متكرر.
كما أن الحدود المقررة للسحب من البنوك في ليبيا لا تتجاوز ألف دينار (حوالي 206 دولارات)، وغالباً ما تكون هذه المبالغ محدودة للسحب مرة واحدة فقط في الشهر.
في مدينة مصراتة، التي تعد مركزاً تجارياً رئيسياً على الساحل، بدأ العديد من السكان بالتسجيل للحصول على بطاقات مصرفية كحل بديل لسحب النقود.
ووفقاً لعبد الله القطيط، الموظف في أحد البنوك المحلية، فإن ثقافة الدفع عبر البطاقة لم تتجذر بعد، إلا أن الأجيال الشابة تتبنى هذه الوسيلة بسهولة أكبر.
وتابع قائلاً إن هناك وعي متزايد بين المواطنين حول أهمية الحلول الإلكترونية لتسهيل المعاملات اليومية، خاصة في ظل أزمة السيولة، رغم أن البنية التحتية لا تزال تفتقر إلى الكفاءة.
ورغم تزايد الاعتماد على الدفع الإلكتروني، إلا أن هناك تحديات كبيرة تحول دون انتشار هذه الوسيلة. أبرز هذه التحديات هو نقص أجهزة الصراف الآلي في العديد من المدن، فضلاً عن أن العديد من التجار لا يقبلون الدفع عبر البطاقات بسبب نقص محطات الدفع الخاصة بهم.
وأشار الخبير الاقتصادي خالد الدلفق إلى أنه على الرغم من تحول الكثيرين إلى استخدام البطاقات المصرفية بسبب أزمة السيولة، إلا أن هذا التحول يتطلب توفير المزيد من الخدمات الرقمية وتهيئة البيئة المناسبة لتسهيل الوصول إليها.
وأكد أن على الحكومة والمصارف العمل بشكل أكبر لتوسيع شبكة الدفع الإلكتروني لتلبية احتياجات المواطنين بشكل أفضل.
من جانبهم، أكد العديد من المواطنين أن البطاقات المصرفية ساعدتهم في تبسيط المعاملات. محمد السوسي، وهو رجل في الخمسينيات من عمره، قال: “أصبحت المعاملات أبسط مع البطاقة… لم أعد بحاجة لحمل كميات كبيرة من النقود معي”. وهو ما يعكس تحولاً تدريجياً نحو حلول الدفع الإلكتروني في ظل الأزمة الحالية.
وبينما يستمر الوضع الاقتصادي في التدهور بسبب الاضطراب السياسي، ظهرت تحديات إضافية تؤثر على النظام المالي. من بين هذه التحديات طباعة أوراق نقدية جديدة، خاصة فئة 50 ديناراً، التي تعرضت للتزييف بشكل واسع.
منذ عام 2014، انقسمت المؤسسات المالية الليبية بين معسكرين متنافسين على السلطة، وكان مصرف ليبيا المركزي أحد هذه المؤسسات المنقسمة، حيث أصدرت كل جهة من جهاته أوراق نقدية متنافسة.
وقد أدى هذا إلى تضخم المعروض النقدي وظهور أوراق نقدية مزيفة، مما أثر سلباً على ثقة الناس في النظام المالي.
وفي محاولة لمعالجة الأزمة، قام البنك المركزي بسحب أوراق الـ50 ديناراً التي أُصدرت في بريطانيا وروسيا، بسبب انتشار الكميات المزيفة منها. كما أعلن البنك عن خطط لسحب هذه الأوراق نهائيًا بنهاية العام بعد تمديد الموعد المقرر لذلك.
وفي إطار جهود البنك المركزي لمعالجة أزمة السيولة، تم ضخ 15 مليار دينار في النظام المصرفي في أكتوبر الماضي. كما دعت السلطات المصرفية إلى تسهيل إصدار البطاقات المصرفية والعمل على تقليل العمولات لتشجيع المواطنين على استخدام الدفع الإلكتروني بشكل أوسع.
رغم التحديات المستمرة، يبدو أن تحول ليبيا نحو الدفع الإلكتروني قد بدأ في التزايد كحل ضروري وسط الأزمة النقدية الراهنة، ولكن ذلك يتطلب المزيد من الجهود لتطوير البنية التحتية الرقمية في البلاد وضمان استقرار النظام المالي.