يُعد محمد العريان واحدًا من أبرز الخبراء في مجال إدارة المخاطر، حيث يجمع بين التحليل الأكاديمي العميق وفهم السوق العملي.
في كتابه الشهير “عندما تتصادم الأسواق: استراتيجيات استثمارية لزمن تقلب الاقتصاد العالمي”, يقدم العريان رؤية فريدة حول كيفية التعامل مع الأزمات الاقتصادية.
هذا الكتاب، الذي وصفه آلان جرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبق، بالمرجع الأساسي لفهم عالم الاستثمار الحديث، يعد من أبرز الكتب التي تجمع بين التحليل العميق وتقديم الحلول العملية.
يبدأ العريان كتابه بدعوة القارئ إلى البحث عن “العلامات” في “الضوضاء” الاقتصادية، موضحًا أن غالبية الأزمات الاقتصادية تنشأ من الفجوة بين التوقعات والواقع.
هذه الفجوة تظهر بشكل واضح عندما يتم الافتراض المستمر للنمو، في الوقت الذي لا يدعمه الواقع الاقتصادي، مما يؤدي إلى تضخم الأصول ثم انهيارها، مما يُحدث أزمة اقتصادية. العريان يشير إلى أن الأزمة الحقيقية تظهر عندما تصبح النماذج الاقتصادية التقليدية عاجزة عن التنبؤ بالأزمات كما حدث في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
العريان يسلط الضوء على “الضوضاء” التي تحدث في الاقتصاد، موضحًا أنه غالبًا ما يتم التركيز على أحداث غير ذات أهمية بينما يتم التقليل من شأن القضايا الجوهرية.
ويضرب مثالاً بأزمة ديون قطاع العقارات في الأزمة المالية العالمية، حيث كانت هناك علامات واضحة كان يجب أن تلفت انتباه المستثمرين، لكنها مرت دون ملاحظة.
يستخدم العريان تشبيهًا لشرح الأزمات الاقتصادية، حيث يشبهها بصب السائل في أنابيب متعددة المداخل. مع زيادة الضغط في الأنابيب، يصبح التسرب أو الانفجار أكثر احتمالًا، مما يعني أن الاقتصاد قد يواجه أزمة تتصاعد أو تبدأ بشكل مفاجئ.
يقدم العريان ثلاث مفاهيم لتفسير الأزمات: “الانحرافات المعيارية الكبيرة” والتي تتعلق بصعوبة التنبؤ بالأزمات نتيجة لتغيرات غير متوقعة في استجابات الأسواق، “الألغاز” التي تتطلب تفكيرًا إبداعيًا لحل مشكلات اقتصادية غير تقليدية، و”الأحاجي” التي تشير إلى أهمية ربط الأجزاء المختلفة للأزمة لفهم الصورة الكبرى، مثل دمج أزمة الديون مع الاقتصاد المزدهر في الأزمة المالية 2008.
ويستعرض العريان بعض المؤشرات المقلقة التي تم تجاهلها في الماضي، مثل تقرير بنك الاحتياطي الفيدرالي لعام 2005 عن سوق السندات العالمية، الذي وصفه “بالمعضلة” الاقتصادية التي كان من المفترض أن تشعل جرس الإنذار في الاقتصاد العالمي.
كما يذكر تنبؤات لاري سامرز حول تدفق الأموال غير المنطقي من الأسواق النامية إلى المتقدمة، مما أحدث خللاً في الأسواق وأسهم في ارتفاع قيم الأصول في الدول المتقدمة.
يشير العريان إلى فشل العديد من الأدوات الاقتصادية التقليدية في التنبؤ بالأزمات. على سبيل المثال، صندوق النقد الدولي الذي واجه صعوبة في التكيف مع التحديات الاقتصادية العالمية، مما قلل من تأثيره في معالجة الأزمات الاقتصادية.
يستعرض العريان الصعود الكبير للأسواق الناشئة وكيف أصبحت قوة اقتصادية عالمية، محذرًا من أن هذه الأسواق بحاجة إلى دراسة وتحليل دقيقين، رغم ما تقدمه من فرص كبيرة.
ويحث المستثمرين على التركيز على الأسواق الناشئة، التي تتمتع بمعدلات نمو مرتفعة مقارنة بالدول المتقدمة، لكن مع التنبيه إلى مخاطر التقلبات الاقتصادية التي قد تؤثر عليها نتيجة العولمة والتقلبات في الأسواق العالمية.
في الفصلين الأخيرين، يقدم العريان مجموعة من النصائح التي تهدف إلى مساعدة المستثمرين في ظل الأسواق المتقلبة:
كن على دراية بالمتغيرات: تابع التغيرات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على الأسواق.
نوّع استثماراتك: لا تكتفِ بتوزيع أموالك، بل اختر أصولًا قادرة على تحقيق أرباح في الأوقات الصعبة.
إدارة المخاطر أولًا: قيّم المخاطر باستمرار وحصّن محفظتك ضد الصدمات.
استثمر في الأصول الحقيقية: مثل العقارات والذهب في أوقات التقلبات.
راقب السياسات النقدية: تابع قرارات البنوك المركزية وتأثيرها على الأسواق.
اقتنص الفرص في الأزمات: الأزمات تخلق فرصًا للمستثمرين الصبورين.
يعتبر كتاب العريان بمثابة استشراف للأسواق، حيث قدم تحذيرات قبل وقوع الأزمة المالية العالمية، مشيرًا إلى أن التصادمات الاقتصادية قد تحدث عندما تفشل النماذج الاقتصادية في التنبؤ بالتقلبات المستقبلية.
هذا الكتاب هو دليل عملي يساعد المتعاملين في الأسواق على فهم ديناميكيات الأزمات والتحوط ضدها.
