الوسطاء يسيطرون على 34% من التكلفة النهائية للمواد الغذائية

تسببت أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المغرب في جدل واسع مرة أخرى، خاصة بعد تصريحات وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، الذي أكد أن “18 مضاربا يتحكمون في أسعار اللحوم الحمراء”.
وقد أثار هذا التصريح نقاشًا حادًا حول قضايا الاحتكار والمضاربة التي لا تقتصر على اللحوم فقط، بل تمتد لتشمل الفواكه، والخضر، والدواجن، والمنتجات البحرية، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا بين المواطنين ويدفعهم للتساؤل عن أسباب استمرار هذه الأزمة.
وتتجدد هذه الأزمات سنويًا، لتظل المضاربات هي العامل الرئيس وراء الزيادة غير المبررة في الأسعار.
وفي ظل تكرار هذه الظاهرة، تكتفي السلطات بتقديم وعود لا تجد طريقها إلى التنفيذ لضبط السوق. وعلى الرغم من أن الأزمات تتكرر كل عام، فإن الحلول الجذرية غائبة، مما يطرح تساؤلات عن مدى جدية السلطات في إيجاد حلول دائمة لهذه الأزمة.
و كشف تقرير صادر عن مجلس المنافسة عن وجود اختلالات هيكلية في سوق الإنتاج والتوزيع، حيث تسيطر شبكات من الوسطاء على السوق، مستغلين غياب إطار تنظيمي فعال لتحقيق أرباح غير مبررة على حساب المستهلكين.
و على سبيل المثال، يتضاعف سعر بعض المنتجات الأساسية مثل البطاطس والطماطم أكثر من 100% بين المنتج والمستهلك النهائي بسبب المضاربة.
وذكر التقرير أن الوسطاء يستحوذون على 34% من السعر النهائي للمواد الغذائية، مما يجعلهم اللاعبين الرئيسيين في تحديد الأسعار.
هذه الزيادة الاصطناعية ليست بسبب ظروف اقتصادية بحتة، بل بسبب خلل في آليات التوزيع، حيث يعاني المنتجون من ضعف العوائد بينما يتحمل المواطنون عبء الأسعار المرتفعة.
في هذا السياق، حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من استمرار غياب الرقابة على المضاربين، خاصة في أسواق اللحوم والخضر.
وأشار التقرير إلى أن هذه الفوضى تتفاقم بشكل أكبر في المناسبات الدينية، مثل عيد الأضحى، حيث تشهد الأسواق زيادة غير مبررة في الأسعار دون تدخل فعلي للحد من المضاربة.
يبقى السؤال الأهم: لماذا لا توجد إجراءات حقيقية لتنظيم السوق رغم وجود العديد من التقارير الرسمية؟ على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي تم تنفيذها في المغرب، إلا أن هناك عجزًا واضحًا في ضبط سوق المواد الغذائية بشكل فعال.
يشير الخبراء إلى أن الحلول متوفرة، ومن أبرزها تقليص دور الوسطاء من خلال تطوير أسواق منظمة مباشرة بين المنتجين والمستهلكين، وتعزيز التعاونيات الزراعية، ووضع آليات رقابة صارمة على الأسعار. كما أن اعتماد الرقمنة في العمليات التجارية يمكن أن يعزز الشفافية ويحد من التلاعب بالأسعار.
لم يعد مقبولًا أن تظل مشكلة المضاربة مجرد حديث موسمي ينتهي مع تراجع الأزمة. المطلوب اليوم هو اتخاذ إجراءات حاسمة لإصلاح سوق المواد الغذائية، بما يضمن حماية القدرة الشرائية للمواطنين ويعزز الشفافية في عمليات التسويق والتوزيع.