الإنفاق الانتقامي: فرصة للنمو الاقتصادي أم خطر على الاستقرار المالي؟
الإنفاق الانتقامي، أو ما يعرف بالشراء الانتقامي، هو سلوك اقتصادي يشير إلى زيادة ملحوظة في الإنفاق الاستهلاكي بعد فترات من الأزمات الاقتصادية الحادة، مثل جائحة كورونا.
و يعود هذا السلوك إلى رغبة المستهلكين في تعويض ما فاتهم من استهلاك أثناء فترات القيود والتحديات الاقتصادية.
و تتمثل آلية الإنفاق الانتقامي في دورة اقتصادية تتضمن عدة مراحل:
التوقف عن الإنفاق: يتسبب أي حدث اقتصادي سلبي في تقليص المستهلكين لنفقاتهم أو توقفهم عنها تمامًا.
الادخار القسري: مع تقليص الإنفاق، يرتفع معدل الادخار لدى الأسر.
الإنفاق التعويضي: بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية، يسارع المستهلكون إلى إنفاق مدخراتهم لتعويض ما فاتهم من تجارب استهلاكية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.
مثال توضيحي
افترض أن جون كان ينفق 5000 دولار سنويًا على السفر، ولكن جائحة 2020 منعت ذلك. لو لم يوجه هذا المبلغ إلى مصارف أخرى، لكان من المتوقع أن تزيد مدخراته.
لكن مع عودة السفر في 2021، قد يشعر جون بالحاجة لتعويض ما فاته ويُفرط في الإنفاق على السفر، متجاوزًا ميزانيته المعتادة.
و في صيف 2020، مع تخفيف قيود الإغلاق في الصين، شهدت الأسواق انتعاشًا كبيرًا بفضل الإنفاق الانتقامي، خاصة في قطاع السلع الفاخرة:
ارتفعت مبيعات شركة تيفاني آند كو لسلع الرفاهية بنسبة 30% في أبريل و90% في مايو 2020 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
كذلك، شهدت مبيعات شركة بربري نمواً ملحوظًا، متجاوزة مستوياتها من العام السابق.
فوائد الإنفاق الانتقامي ومخاطره
رغم أن الإنفاق الانتقامي يعزز النمو الاقتصادي على المدى القصير ويُحسن من رضا المستهلكين، فإنه قد يشكل خطرًا إذا تجاوز حدوده الطبيعية، حيث قد يؤدي إلى استنزاف المدخرات الشخصية ويترك المستهلك في مواجهة مشكلات مالية طويلة الأمد.
و يسهم الإنفاق الانتقامي في تحفيز النمو الاقتصادي عبر:
زيادة الطلب المحلي: يؤدي ارتفاع الإنفاق إلى تنشيط الطلب على السلع والخدمات، مما ينعش قطاعات اقتصادية مختلفة.
تحفيز الإنتاج: يؤدي الطلب المتزايد إلى زيادة الإنتاج وتوظيف مزيد من العمالة لتلبية احتياجات السوق.
التضخم: قد يتسبب الإنفاق المفرط في زيادة معدلات التضخم نتيجة للطلب المرتفع على السلع والخدمات مقارنة بالعرض المتاح.
و تلعب الحكومات والمؤسسات المالية دورًا مهمًا في مراقبة وضبط الإنفاق الانتقامي للحفاظ على استقرار الاقتصاد، من خلال:
تشجيع الادخار المسؤول: توفير برامج توعية مالية للمستهلكين حول أهمية التوازن بين الإنفاق والادخار.
تحفيز الاستثمار: تشجيع الأفراد والشركات على توجيه أموالهم نحو الاستثمارات المنتجة بدلاً من الإنفاق الاستهلاكي المفرط.
مراقبة التضخم: استخدام أدوات السياسة النقدية مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة للتحكم في التضخم الناتج عن الإنفاق الانتقامي.
و من المهم للمستهلكين تحقيق التوازن بين تعويض ما فاتهم أثناء الأزمات وبين الحفاظ على استدامتهم المالية عبر خطوات مثل:
وضع ميزانية محددة: تخصيص جزء من المدخرات للإنفاق الانتقامي دون المساس بالاحتياطي المالي.
التفكير في الأولويات: التركيز على الإنفاق على الأمور التي تقدم قيمة حقيقية وتجارب مرضية.
التخطيط المالي طويل الأمد: ضمان أن القرارات المالية تدعم الاستقرار على المدى الطويل.
الإنفاق الانتقامي هو رد فعل طبيعي بعد الأزمات والحرمان الاقتصادي، ويُعد مؤشرًا إيجابيًا على تعافي الاقتصاد وعودة النشاط الاستهلاكي. لكن يجب أن يتم بحذر مع تخطيط مسبق لتحقيق التوازن بين تعويض التجارب التي فاتت والحفاظ على الاستقرار المالي الشخصي.