من الكراهية إلى الشغف: كيف أصبح الأمريكيون مفتونين بكرة القدم وسيطروا على أندية إنجلترا؟

بالنسبة للمشجع العادي، فإن مشاهدة فرق كرة القدم من أي دوريات العالم قد تكون ممتعة باستثناء الولايات المتحدة – التي تستضيف مونديال 2026 – وذلك للاعتقاد الشائع بأن الأمريكيين أنفسهم لا يحبون اللعبة، وتأتي في آخر اهتماماتهم بعد رياضات أخرى عديدة.

حتى إن الأمريكيين ابتكروا لعبة – وتفوقوا فيها بالطبع – وأطلقوا عليها اسم كرة القدم أو “Football” في حين يطلقون اسم “سوكر- Soccer” على لعبة كرة القدم التقليدية ليميزوا رياضتهم، وهو أمر كان محل سخرية لفترة طويلة بين الإنجليز الذين ابتكروا اللعبة الأصلية بالأساس.

هذا الاعتقاد الشائع بين المشجعين يرجع جزئيًا إلى إسهامات الدراما الأمريكية والتي عادة ما تصور سكان البلاد أكثر اهتمامًا بلعبات مثل كرة السلة والبيسبول والهوكي، وهي ليست بصورة خيالية، فما هي إلا انعكاس للواقع.

ولم يختر أكثر من 2% من الأمريكيين كرة القدم التقليدية بين عامي 1937 و2004 كلعبتهم المفضلة، لكن شعبيتها ظلت تنمو من هذا المستوى بداية من عام 2008، ووصلت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 7% في عام 2017، وفقًا لمسوحات “جالوب”.

على أي حال، وبعيدًا عن تاريخ الولايات المتحدة في كرة القدم التقليدية، وبغض النظر أيضًا عن الصورة التي تصدرها هوليوود عن الاهتمامات الرياضية في أمريكا، فإن الأمريكيين يحبون كرة القدم الآن، ولكن بطريقة مختلفة.

وفي الحقيقة، يبدو أن الأمريكيين أصبحوا أكثر اهتمامًا بكرة القدم أكثر من الإنجليز أنفسهم، حيث ضخوا استثمارات ضخمة على مدى العقدين الماضيين ليستحوذوا على عدد كبير من الأندية المحترفة في إنجلترا.

أمريكا تهيمن على الكرة الإنجليزية

– مع انطلاق الموسم الحالي، امتلك المستثمرون الأمريكيون عددًا أكبر من الأندية الإنجليزية (سواء ملكية كاملة أو حصة أغلبية أو أقلية) مقارنة بغيرهم من الجنسيات، بما في ذلك البريطانيون أنفسهم، وبالطبع يسيطرون على جزء كبير من كعكة الإيرادات في هذه الصناعة الرائجة الآن.

– يمتلك الأمريكيون الآن حصصًا (كلية أو جزئية) في 9 أندية بالدوري الإنجليزي الممتاز أو 45% من إجمالي عدد الأندية المشاركة فيه، وإجمالًا، يمتلك المستثمرون الأمريكيون ثُلث الأندية التي تلعب في الدوريات الإنجليزية الأربعة المحترفة لكرة القدم الإنجليزية.

– في بداية عام 2023، قدر موقع “سويس رامبل” حصة المستثمرين الأمريكيين الإجمالية (كنسبة مئوية) في أندية الدوري الإنجليزي الممتاز فقط، بأكثر من الثلث، ومع ذلك كان نصيبهم من إيرادات هذه الأندية تقريبًا النصف، متفوقين على جميع الجنسيات الأخرى.

– استثمر الأمريكيون بكثافة في فرق كرة القدم الإنجليزية على مدى العقدين الماضيين، بدءًا من عملية الاستحواذ التي قام بها “مالكولم جليزر” في عام 2005 والتي قدرت قيمة مانشستر يونايتد بـ 790 مليون جنيه استرليني (1.4 مليار دولار في ذلك الوقت).

– احتل مانشستر يونايتد المرتبة الأولى في تصنيف الأندية الأكثر قيمة في عالم كرة القدم العالمية الذي تصدره “سبورتيكو” بـ 6.2 مليار دولار، وجاءت 5 أندية إنجليزية أخرى ضمن قائمة العشرة الأكبر عالميًا، ما يعكس كيف تعاظم استثمار “جليزر” بمرور الوقت.

– من بين الأندية الإنجليزية المملوكة للأمريكيين كليًا أو جزئيًا، حقق مانشستر يونايتد إيرادات قدرها 836 مليون دولار في موسم 2022-2023، كما حقق ليفربول 766 مليون دولار، وتشيلسي وآرسنال نحو 600 مليون دولار لكل منهما، وحتى ليدز الذي يلعب في دوري “تشامبيونشيب” حقق 245 مليون دولار.

ما سر الإعجاب بالدوري الإنجليزي؟

– ببساطة، الدوري الإنجليزي الممتاز هو الأكثر شعبية وتنافسية، وفقًا لبعض التقديرات، لكن الأهم هو أنه الأكثر تحقيقًا للتدفقات النقدية من بين جميع الدوريات الكبرى لكرة القدم في أوروبا.

– خلال موسم 2022-23، الأول الذي تنعقد فيه جميع الدوريات الكبرى دون قيود الوباء، حققت الدوريات الخمسة الرئيسية إيرادات قياسية قدرها 20.93 مليار دولار، وفقًا لبيانات “ديلويت”، وكان هذا أعلى بمقدار 2.46 مليار دولار (14%) عن الموسم السابق.

– لا حاجة طبعًا للإشارة إلى أن الدوري الإنجليزي الممتاز استحوذ على نصيب الأسد من هذه الإيرادات، أو ما نسبته تقريبًا 35.5%، مقابل 19.5% للدوري الألماني، ونحو 18% للإسباني، و14.5% للإيطالي، وأكثر من 12% للفرنسي.

– وفقًا لحسابات “فوربس”، تبلغ قيمة أكبر فرق كرة القدم في العالم 2.3 مليار دولار للفريق الواحد في المتوسط خلال عام 2024، أو 5.1% أكثر من العام الماضي، ومن بين هذه القائمة التي تضم 30 فريقًا يتواجد 12 منهم في إنجلترا وحدها.

– بلغ متوسط ​​إيرادات أفضل 30 فريقًا 397 مليون دولار، أو 3% أعلى من العام الماضي، وبلغ متوسط ​​الدخل التشغيلي 36 مليون دولار، بزيادة 57% عن العام السابق.

– بالنظر إلى الدخل التشغيلي الذي حققته هذه الأندية العام السابق، كان مانشستر يونايتد الأكثر ربحية بنحو 187 مليون دولار، يليه توتنهام بمقدار 161 مليون دولار، ثم مانشستر سيتي بـ 147 مليونًا، وآرسنال 140 مليونًا، وليفربول 102 مليون دولار، في تفوق إنجليزي خالص.

ليست إنجلترا فقط!

– في الحقيقة، يتوجه الأمريكيون نحو الأندية الأوروبية بشكل عام أيضًا، وذلك بحثًا عن المال بالطبع، سواء عن طريق توليد النقد أو اقتناص أصول جيدة بأسعار زهيدة، فمثلًا أصبح إنتر ميلان (قبل أشهر) سابع نادٍ في الدوري الإيطالي تحت ملكية أمريكية.

– جاء استحواذ “أوكتري كابيتال مانجمنت- aktree Capital Management” على النادي الإيطالي العريق، بعدما فشل مالكه الصيني، في الوفاء بالموعد النهائي لسداد 440 مليون دولار أقرضتها له “أوكتري” نفسها في عام 2021.

– أدت القيمة المتزايدة لأندية كرة القدم الرئيسية إلى زيادة الاهتمام من قبل المستثمرين الأمريكيين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون الشراء الآن، والاحتفاظ بالنادي لبضع سنوات، وإعادة بيعه لتحقيق ربح رأسمالي.

– كرة القدم الأوروبية ليست عملاً مربحًا دائمًا، ففي حين تولد إيرادات ضخمة، فإن الحالة المالية لعديد من الفرق قد تكون سيئة، وسبق أن عانى المستثمرون الأمريكيون خسائر فادحة في إنجلترا، لكن التجربة أثبتت أيضًا أنه يمكن جني الأموال بشرط التحكم في التكاليف.