...
الأخبارالاقتصادية

التقاعد المبكر أم العمل المتأخر: صراع بين الرغبة الشخصية والضرورة الاقتصادية

يمثل التقاعد نقطة مفصلية في حياة الأفراد، حيث يتطلع الكثيرون إلى إنهاء مسيرتهم المهنية مبكرًا، مستغلين هذه المرحلة للانخراط في أنشطة ترفيهية أو قضاء وقت أكثر مع أحبائهم، بعيدًا عن ضغوط العمل.

إن التقاعد المبكر ليس فقط فرصة للحياة الشخصية، بل له أيضًا أبعاد اقتصادية إيجابية، حيث يزيد وقت الفراغ من الإنفاق الشخصي، ما يعزز الطلب الاستهلاكي ويدعم النمو الاقتصادي.

لكن في ظل التغيرات السكانية والاجتماعية الراهنة، بدأ الحديث يزداد عن أهمية الاستمرار في العمل لفترة أطول. العمل حتى سن الستين أو حتى السبعين يتيح نقل المعرفة والخبرات للأجيال الشابة، ويساعد على معالجة نقص العمالة الماهرة في بعض الدول، كما يسهم في التكيف مع الضغوط المالية المتزايدة على أنظمة التقاعد.

مقارنات دولية.. سن التقاعد في مختلف البلدان حول العالم (حسب بيانات 2022)

الدولة

سن التقاعد للرجال

آيسلندا

67

النرويج

هولندا

66.6

المملكة المتحدة

66

ألمانيا

65.8

البرتغال

65.6

فنلندا

65

إيطاليا

إسبانيا

سويسرا

السويد

اليونان

62

لوكسمبرج

 

فرفع سن التقاعد أصبح ضرورة ملحة لكثير من الحكومات لمواجهة تحديات شيخوخة السكان وتراجع معدلات الولادة.

في هذا الإطار، اتخذت الدنمارك خطوة بارزة برفع سن التقاعد إلى 70 عامًا، وهو أعلى سن تقاعد في أوروبا، على أن يبدأ تطبيق هذا القرار بحلول عام 2040، بدلًا من السن الحالي البالغ 67 عامًا.

وأوضح “جيسبر رانجفيد”، أستاذ المالية بكلية كوبنهاغن للأعمال، أن هذا التعديل سيؤثر على جميع مستفيدي المعاشات العامة، بينما يظل خيار التقاعد المبكر متاحًا لمن لديهم مدخرات خاصة تمكنهم من ذلك ماليًا.

هذه الخطوة تستند إلى واقعين رئيسيين: ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات الولادة، ما أدى إلى زيادة عدد كبار السن وتقليص القوى العاملة، وهو ما يفرض ضغطًا كبيرًا على أنظمة التقاعد التي بُنيت في ظل ظروف ديمغرافية مختلفة.

وتظهر المقارنات الدولية تباينًا في تنظيم سن التقاعد، حيث يستمر كثيرون في العمل بعد السن القانوني، ويرى “بيرند رافيلهوشن”، المستشار الاقتصادي السابق للحكومة الألمانية، أن نموذج الدنمارك يستحق التقليد، مشددًا على ضرورة رفع سن التقاعد إلى 70 عامًا بشكل أسرع.

أما على المستوى الفردي، فقرار الاستمرار في العمل أو التقاعد مرتبط بـ”معدل الاستبدال الإجمالي”، وهو النسبة بين المعاش التقاعدي والراتب الأخير. فكلما كانت هذه النسبة منخفضة، تزداد الصعوبات المالية أمام العمال للتقاعد، بينما توفر المعاشات المرتفعة أمانًا ماليًا يمكنهم من التقاعد براحة بعد سنوات طويلة من العمل.

أنظمة مختلفة

الدولة

التوضيح

الولايات المتحدة

لا يوجد سن تقاعد رسمي، ففي عمر الـ 65 يصبح الأفراد مؤهلين لتغطية الرعاية الطبية، ومن 66 إلى 67 عامًا يصبح المواطن مؤهلاً للحصول على كامل استحقاقات الضمان الاجتماعي بناءً على سجل دخله، أما من ينتظرون حتى سن السبعين للمطالبة بتلك الاستحقاقات فيحصلون على عائد أكبر، إلا أن عددا قليلا فقط يستفيد من تلك الزيادة.

الصين

في خطوة طال انتظارها، أعلنت الصين في العام الماضي رفع سن التقاعد بما يصل إلى خمس سنوات، ليرتفع العمر للرجال من 60 إلى 63 عامًا تدريجيًا.

أوروبا

أما في أوروبا، فأصبحت تغييرات أنظمة المعاشات التقاعدية نقطة اشتعال خاصة في أوروبا مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض المواليد والحاجة إلى نسبة مستدامة من العمال إلى المتقاعدين، فقبل عامين اهتزت فرنسا بأشهر من الاحتجاجات والإضرابات الجماعية بعدما رفعت حكومة الرئيس “إيمانويل ماكرون” سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا.

توقعات دولية

تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بحلول 2060 سيقترب متوسط سن التقاعد في الاتحاد الأوروبي من 67 عامًا، ومن المتوقع أن يصل في العديد من الدول إلى 70 عامًا أو أكثر.

 

في ختام المطاف، يبقى التقاعد المبكر حلمًا للعديد من الأفراد، لكنه بات يواجه تحديات متزايدة تتطلب من الحكومات إيجاد توازن بين حماية حقوق المتقاعدين وضمان استدامة الاقتصاد، مع ضرورة توفير خيارات مرنة تسمح لكل فرد باختيار المسار الأنسب له بين العمل والتقاعد.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.