كيف يؤثر التضخم على معاشات التقاعد وكيفية التعامل معه؟

بعد سنوات من العمل الشاق، يترقب العديد من الأشخاص وصولهم إلى سن التقاعد للاستمتاع بالراحة في مرحلة متقدمة من حياتهم، مع تأمين مصدر دخل ثابت من المعاشات التقاعدية لضمان حياة كريمة.

و لكن مع استمرار موجات التضخم في السنوات الأخيرة، أصبحت معاشات التقاعد مهددة، حيث قد لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.

يُعد التضخم العامل الرئيسي الذي يساهم في زيادة الأسعار بشكل مستمر، مما يقلل من قيمة الأموال مع مرور الوقت.

وهذا يؤثر بشكل كبير على القوة الشرائية للمستفيدين من المعاشات التقاعدية الذين يعتمدون على دخل ثابت. في ظل التضخم، قد يصبح هذا الدخل غير كافٍ لتلبية احتياجاتهم اليومية.

و بمجرد التقاعد، تتغير بعض النفقات بينما تزداد أخرى. وفقًا لمركز أبحاث التقاعد في كلية بوسطن، يميل المتقاعدون إلى تقليل استهلاكهم مقارنة بفترة العمل، لكن هذا يعتمد على دخلهم وحالتهم الصحية.

وعادة ما يُستثمر دخل المتقاعدين في أدوات استثمارية مثل السندات أو الحسابات التقاعدية ذات العوائد الثابتة. لكن التضخم يقلل من قدرة هذه الأدوات على تلبية احتياجاتهم المستقبلية.

ومع ارتفاع الأسعار، خاصة في مجالات مثل الرعاية الصحية والطاقة، يواجه المتقاعدون صعوبة في تغطية تكاليف حياتهم باستخدام دخل ثابت. في بعض الحالات، تكون الزيادة السنوية في المعاشات غير كافية لمواكبة تكاليف الحياة المتزايدة.

و في العديد من البلدان، يحصل المتقاعدون على دعم مالي من حكوماتهم من خلال أنظمة التقاعد الحكومية أو التأمينات الاجتماعية. لكن في ظل التضخم المرتفع، قد تجد الحكومات صعوبة في زيادة هذه المدفوعات بما يتناسب مع تكاليف الحياة المرتفعة.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أثرت موجات التضخم المستمرة على برنامج الضمان الاجتماعي، مما جعل الزيادات السنوية في مدفوعات التقاعد غير كافية لمواجهة الارتفاع الكبير في تكاليف الرعاية الصحية والمعيشة.

وتشير التقارير إلى أن 92% من الأمريكيين الذين يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر يعتمدون على مزايا الضمان الاجتماعي.

التضخم لا يقتصر على الدول المتقدمة فقط. في الدول النامية مثل فنزويلا وزيمبابوي، شهدت أموال التقاعد تآكلًا كبيرًا بسبب التضخم المفرط، ما ألحق أضرارًا مالية كبيرة بالمتقاعدين في تلك البلدان.

و في يونيو 2022، بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة ذروته عند 8.9%، وهو مستوى مرتفع مقارنة بما كان عليه خلال العقود الأخيرة. وإذا كان من المفترض أن تحافظ مدفوعات الضمان الاجتماعي على القوة الشرائية، كان يجب أن تتم زيادتها بنسب تتناسب مع هذه الزيادة في الأسعار.

لكن الحكومة الفيدرالية الأمريكية تقوم عادة بمراجعة مؤشرات الأسعار مرة واحدة سنويًا، وتُعد التعديلات غير كافية لمواكبة التضخم الفعلي في السلع والخدمات التي يعتمد عليها المتقاعدون، مثل الأدوية الموصوفة وتكاليف الرعاية الصحية.

و على الرغم من أن المتقاعدين لا يستطيعون إيقاف التضخم بشكل مباشر، إلا أنهم يمكنهم اتخاذ عدة خطوات للحد من تأثيره:

تقليل تكاليف السكن: يمكن للمتقاعدين استبدال منازلهم الكبيرة بأخرى أصغر لتقليل التكاليف المرتبطة بالصيانة والتأمين.

تعديل الأنشطة الترفيهية: يجب عليهم مراعاة تأثير التضخم على تكاليف السفر والأنشطة الترفيهية، واختيار البدائل الأكثر ملائمة.

تنويع مصادر الدخل: يجب على المتقاعدين النظر في إضافة استثمارات تحقق عوائد أفضل في ظل التضخم، مثل شراء أسهم الشركات المقاومة للتضخم.

التخطيط المبكر للتقاعد: من المهم حساب احتياجات التقاعد مبكرًا وادخار المال أثناء الحياة المهنية، مع الأخذ في الاعتبار تأثير التضخم عند تحديد هذه الاحتياجات.

الاستثمار في أدوات ذات عوائد أعلى: ينبغي للمتقاعدين النظر في استثمار أموالهم في أسواق ذات عوائد مرتفعة، مثل الأسهم أو صناديق الاستثمار المتداولة، بدلاً من الاعتماد على السندات أو الودائع التي قد لا تتناسب مع التضخم.

التخلص من الديون: قبل التقاعد، من الضروري التخلص من الديون لتوفير مساحة أكبر للاستثمار في محفظة تقاعدية متوازنة.

في النهاية، بالرغم من أن التضخم يشكل تحديًا كبيرًا للمتقاعدين، إلا أن التخطيط المبكر واتخاذ خطوات استراتيجية يمكن أن يساعد في ضمان تأمين حياة مستقرة ومريحة في مرحلة التقاعد.