اقتصاد المغربالأخبار

عقبة الريع والبيروقراطية..التحدي الأكبر أمام التنمية الاقتصادية في المغرب

يواجه الاقتصاد المغربي تحديًا وجوديًا يهدد كل آمال التنمية المستدامة: فكيف يمكن تحويل السوق من فضاء تهيمن عليه المصالح الخاصة إلى محرك حقيقي للنمو والابتكار؟

هذا السؤال يطرح نفسه بقوة في ظل واقع اقتصادي يعاني من بيروقراطية خانقة وامتيازات ريعية تكبل طاقات القطاع الخاص.

يُجمع الخبراء على أن أي خطط إصلاحية مستقبلية ستظل حبرًا على ورق ما لم يتم وضع حد للتدخل الحكومي المباشر الذي لا يخدم سوى أقلية محظوظة.

فبدل أن يكون محرّكًا للثروة، تحوّل هذا التدخل إلى أداة لترسيخ الهيمنة وتكريس الفساد، وهو ما يعيق بشكل مباشر الديناميكية الاقتصادية.

أزمة الريع تتجلى بأوضح صورها في قطاع النقل العمومي. هنا، يتحول الدعم الحكومي إلى امتيازات شخصية، حيث تُمنح آلاف الرخص لأشخاص لا علاقة لهم بالمهنة، ليعيدوا تأجيرها لسائقين حقيقيين.

هذه العملية لا تخلّف فقط سائقين يعيشون على هامش الاستقرار، بل تكلّف الدولة مليارات الدراهم من الضرائب الضائعة، وتُترجم على الأرض إلى خدمات متدنية الجودة للمواطنين.

كما لا يقتصر الفساد الريعي على النقل فقط، بل يمتد إلى قطاعات حيوية أخرى مثل الفلاحة، والمقالع، والرمال. فبينما يستفيد كبار الملاك من القروض المدعمة والإعانات السخية، يجد الفلاح الصغير نفسه في صراع مرير من أجل البقاء.

حتى الصفقات العمومية، التي من المفترض أن تكون ميدانًا للمنافسة الشريفة، تتحول في كثير من الأحيان إلى صفقات حصرية تُفصّل على مقاس عدد محدود من الشركات، مما يحبط روح المبادرة لدى المقاولات الصغيرة والمتوسطة ويقضي على فرصها في النمو.

وفي أحيان أخرى، تتحول القوانين المعقدة إلى حواجز مصطنعة تعزز سيطرة لوبيات محددة على السوق.

حتى المبادرات الاجتماعية النبيلة مثل صندوق المقاصة لم تسلم من هذه الآفة. هذا الصندوق، الذي أُسس بهدف دعم الفئات الهشة، يجد نفسه غالبًا يموّل الشركات الكبرى، بينما يحصل الفقراء على الفتات.

الحل يكمن في توجيه الدعم مباشرة إلى مستحقيه عبر برامج اجتماعية أو تحويلات مالية دقيقة، بدل استمرار إهدار الأموال العامة دون تحقيق نتائج ملموسة.

إن السبيل الوحيد نحو اقتصاد قوي ومستدام يكمن في إعادة الثقة في السوق الحرة. يجب أن يقتصر دور الدولة على وضع القوانين العادلة والشفافة التي تضمن المنافسة وتحمي حقوق الجميع.

إن التدخلات العشوائية والامتيازات الريعية هي التي تزيد السوق مرضًا، وتثبط همم المبدعين والمنافسين الشرفاء. السوق القائم على الجدارة هو وحده القادر على دفع المغرب نحو آفاق جديدة من النمو والازدهار.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى