من السكن إلى الصحة.. لماذا تفشل البرامج الاجتماعية في الوصول إلى مستحقيها؟

بينما تستمر الحكومة في الترويج لإنجازاتها في مجال تعزيز “الدولة الاجتماعية”، وتُبرز دورها في تفعيل برامج اجتماعية متعددة، تتواصل في المقابل شكاوى المواطنين وانتقادات الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية بشأن العراقيل التي تعترض هذه البرامج.
في هذا السياق، كشف تقرير “وسيط المملكة” لعام 2024 عن معطيات صادمة تُبرز أعطابًا جوهرية تعيق تحقيق أهداف هذه البرامج.
فرغم محاولات الحكومة وصفتها المعارضة بـ”المزايدات السياسية”، أكد تقرير المؤسسة الدستورية المستقلة وجود اختلالات حقيقية تعوق تنفيذ البرامج الاجتماعية بفعالية.
تشمل هذه الإشكاليات التأخير في الوصول إلى الخدمات، ضعف التأثير الاجتماعي، وعدم التناسب بين الفئات المستهدفة وتلك المستفيدة فعليًا.
ويطرح التقرير تساؤلات جادة حول نجاعة السياسات العمومية الاجتماعية ومدى التزام الإدارات بالمبادئ الدستورية التي تنظم المرفق العمومي، مثل المساواة والإنصاف والاستمرارية وتكافؤ الفرص.
تُبرز المؤسسة أن نجاح البرامج الاجتماعية لا يُقاس فقط بعدد المستفيدين، بل يتوقف أيضًا على مدى مصداقية الوعود الحكومية، سهولة الإجراءات، واستمرارية أثرها على حياة المواطنين.
حقوق أساسية تعاني من اختلالات متكررة
حق السكن: تكشف شكاوى المستفيدين عن معايير استفادة غير واضحة، وتعثر في تدبير المساطر، وتأخر في معالجة الملفات، إلى جانب تضارب في المعايير بين الجهات المعنية، ما يبرز اختلالات هيكلية في قطاع السكن.
حق الشغل: يعاني برنامج “فرصة” من مظاهر إقصاء وتعقيدات إجرائية أثرت سلبًا على المستفيدين، حيث تحمّل بعضهم أعباء مالية وقانونية مثل كراء المحلات وأداء الأجور دون استفادة حقيقية.
الحق في المعاشات: رصد التقرير أخطاء في تحويل الاشتراكات وتأخيرات في احتساب المعاشات، إضافة إلى ضعف المبالغ وصعوبة الإجراءات التي تُكرس أوضاعًا هشة للمتقاعدين، خاصة مع اقتطاع مبالغ التغطية الصحية.
التغطية الصحية: بالرغم من الإعلان عن تعميم التغطية الصحية، تشير المعطيات إلى وجود أعطاب بنيوية، تشمل تأخر استرجاع المصاريف الطبية، رفض التعويض عن أدوية باهظة الثمن، صعوبات في التسجيل الرقمي، ونسب استرجاع غير متناسبة مع التكاليف الحقيقية للعلاج.
الدعم الاجتماعي: يعاني نظام التسجيل الرقمي من استبعاد فئات هشة، ما دفع العديد منهم للاستعانة بوسطاء في ظروف تفتقر للضمانات القانونية، مع انتهاك لخصوصية البيانات وغياب بدائل حضورية تضمن المساواة وتكافؤ الفرص.
كما يشدد تقرير وسيط المملكة على ضرورة مراجعة شاملة لهندسة وتنفيذ البرامج الاجتماعية، وتعزيز آليات الحكامة لضمان شفافية وعدالة أكبر، وترسيخ مبادئ الدستور في الممارسة الفعلية.
فالبرامج الاجتماعية الناجحة هي التي تترجم الوعود إلى واقع ملموس يحس به المواطن في حياته اليومية، بعيدًا عن مجرد الأرقام والإحصائيات.