الاقتصادية

من الحلم إلى الفعل: حين تصبح الغاية قوة محركة للعمل

في ممرات الشركات الحديثة، تتزين الجدران بشعارات ملهمة تصف “غاية المؤسسة”، وتُقدَّم كأنها بوصلتها الأخلاقية وسبب وجودها. لكن الحقيقة البسيطة التي غالبًا ما تُغفل هي أن الغاية، مهما كانت رنانة، لا تعني شيئًا إذا لم تُترجم إلى تجربة ملموسة يشعر بها الموظف ويؤمن بها.

فالغاية وحدها لا تصنع الانتماء، ولا تشعل الشغف. ما يصنع الفارق حقًا هو شعور كل فرد في الفريق أن عمله، مهما كان تفصيليًا، يخلق أثرًا، ويساهم في تحقيق صورة أكبر. المساهمة هي الوقود الذي يُحرك الغاية، ويحولها من فكرة مجردة إلى طاقة حيّة.

قصة “توبي أووتونا”، مؤسس شركة Calendly، تقدم مثالًا حيًا على هذا التحول. لم تكن رحلته من نيجيريا إلى رأس واحدة من أبرز شركات التكنولوجيا في أمريكا مدفوعة بالربح فحسب، بل برغبة صادقة في التمكين وتبسيط حياة الناس.

رؤية الشركة واضحة: “تبسيط جدولة المواعيد لتمكين الإنجاز”، لكنها لا تبقى مجرد كلمات.

ففي ثقافة “كاليدنلي”، الغاية تعيش وتتنفس. يحرص توبي على إرسال مقاطع فيديو حقيقية لفريقه، يروي فيها قصص عملاء حقيقيين استفادوا من المنصة بطرق غير متوقعة:

رائد أعمال نجا من إرهاق المواعيد، أم حصلت على وقت إضافي مع أطفالها، أو موظف نجا من فوضى تنظيم الاجتماعات. هذا السرد يربط بين الأكواد البرمجية والقلوب البشرية.

المطور مايكل بيجز، الذي يقضي أيامه في تعديل الشيفرات على تطبيق iPhone، يعترف أن هذه القصص تجعله يرى كيف تتحول سطوره البرمجية إلى لحظات ذات مغزى في حياة الآخرين. إنها لحظة الانكشاف: حين يرى الموظف أثره، تتبدل العلاقة مع العمل كليًا.

و أكثر ما يميز القادة العظماء اليوم ليس قدرتهم على صياغة الرؤية، بل مهارتهم في ترجمتها إلى واقع يومي. فهم يدركون أن الموظف لن يعيش الغاية ما لم يشعر بها ويشاهد تجليها في عمله.

دراسات “جالوب” تؤكد هذه الحقيقة: الموظفون الذين يشعرون أن غاية مؤسستهم تمنح لعملهم معنى، أكثر التزامًا، أقل تغيبًا، وأكثر إنتاجية.

ومع ذلك، لا يزال أقل من ثلث الموظفين في أمريكا يشعرون بهذا الرابط الحيوي. السبب؟ كثير من الغايات تبقى عالقة على الورق، دون أن تتحول إلى تجارب موجهة للإنسان.

و بحسب دراسة حديثة، هناك ثلاث محفزات تجعل العمل ذا معنى: الانتماء، التحدي، والمساهمة. ومن بينها، تبرز المساهمة كالجسر الأهم؛ لأنها تنقل الجهد من خانة “الواجب” إلى خانة “الرسالة”.

حين يرى الموظف كيف تساهم تقاريره أو مكالماته أو تصميمه في دعم هدف جماعي نبيل، يشعر أنه ليس مجرد ترس في آلة، بل جزء من حركة لها روح. هنا، يحدث التحول الحقيقي: تصبح غاية الشركة غايته الشخصية.

إذا كنت قائدًا، لا يكفي أن ترفع شعارًا وتظن أن الجميع سيسير خلفه. رسالتك الحقيقية تبدأ حين تُظهر لفريقك كيف يُسهِم كل فرد، عمليًا ووجدانيًا، في تحقيق تلك الغاية.

الغاية التي لا تجد طريقها إلى قلب الموظف، تبقى فكرة طيبة لا أكثر. أما حين تُعاش وتُجسَّد، فإنها تبني مؤسسات ذات أثرٍ حقيقي، وإنسانية المعنى.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى