مستقبل صناعة الطيران: من يهيمن على الأجواء، الشركات التقليدية أم منخفضة التكلفة؟

على ارتفاعات شاهقة تبلغ نحو 30 ألف قدم، تدور واحدة من أبرز المنافسات في عالم الطيران بين شركات الطيران التقليدية التي لطالما تميزت بخدماتها الراقية وشبكاتها العالمية، وبين شركات الطيران منخفضة التكلفة التي غزت السوق بفضل أسعارها التنافسية.

ورغم الهيمنة الطويلة لشركات الطيران التقليدية، إلا أن صعود شركات الطيران الاقتصادي أحدث ثورة في الصناعة، مما أدى إلى تغييرات عميقة في طرق السفر الجوي.

في العقدين الأخيرين، شهدت شركات الطيران منخفضة التكلفة نمواً سريعاً واحتلت مكانة بارزة في السوق، حيث أصبحت تُشكل حوالي 33% من إجمالي المقاعد الجوية العالمية.

ورغم أن عدد شركات الطيران منخفضة التكلفة لا يتجاوز 15% من إجمالي الشركات، فإن تأثيرها أصبح أكبر، خصوصاً في مناطق مثل آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية.

هذه الشركات تتميز بتقديم أسعار مخفضة للمسافرين، وذلك عبر تقليص بعض الخدمات الإضافية، مثل تخفيض عدد المقاعد المريحة أو تقديم الوجبات، بالإضافة إلى فرض رسوم على الأمتعة واختيار المقاعد.

وتعتمد شركات الطيران الاقتصادية على استراتيجيات أخرى مثل الرحلات المباشرة وزيادة ساعات الطيران اليومية للطائرات.

رغم أن شركات الطيران التقليدية تحقق إيرادات ضخمة من خدمات الدرجة الأولى والشحن الجوي، فإن شركات الطيران منخفضة التكلفة تحقق أرباحًا أعلى في بعض الأحيان بفضل الرسوم الإضافية.

و في عام 2023، حققت شركة “ريان إير” الإيرلندية هامش ربح صافٍ بلغ 18%، بينما كان هامش الربح لشركات الطيران التقليدية مثل “لوفتهانزا” 7% و”أمريكان إيرلاينز” 5%.

في مواجهة المنافسة المتزايدة من شركات الطيران منخفضة التكلفة، لجأت شركات الطيران التقليدية إلى تعديل استراتيجياتها.

و أصبح من الشائع أن تقدم شركات مثل “لوفتهانزا” و”بريتيش إيرويز” تذاكر بأسعار أقل تحت مسمى “الدرجة الاقتصادية الأساسية” مع تقديم خدمات محدودة. كما قامت بعض الشركات التقليدية بإنشاء شركات طيران منخفضة التكلفة تابعة لها، مثل “ترانسافيا” التابعة لـ “إيرفرانس”.

على الرغم من هيمنة شركات الطيران منخفضة التكلفة على الرحلات القصيرة، فإن شركات الطيران التقليدية تظل قوية في الرحلات الطويلة والفاخرة.

ومع تزايد التوجه نحو السفر منخفض التكلفة، تستمر الشركات الاقتصادية في جذب حصص سوقية أكبر. لكن مع تطور شركات الطيران التقليدية وتبنيها استراتيجيات جديدة، يظل المسافر هو الرابح الأكبر، حيث يحقق أفضل الأسعار والخدمات.

أكبر 5 شركات طيران منخفضة التكلفة في العالم من حيث حجم الأسطول (وفقًا لبيانات 2024):

الضغط المتزايد من الشركات منخفضة التكلفة على نظيراتها التقليدية أدى إلى انخفاض أسعار التذاكر وزيادة الخيارات المتاحة للمسافرين.

وفقًا لتقرير “سكايسكانر”، انخفضت أسعار التذاكر على المسارات التي شهدت دخول شركات منخفضة التكلفة بنسبة تصل إلى 40%. كما ساهمت هذه المنافسة في تحسين جودة الخدمات، حيث أصبحت شركات الطيران أكثر استجابة لاحتياجات المسافرين.

بفضل المنافسة المتزايدة، تحسنت العمليات التشغيلية في صناعة الطيران. وقد شهدنا تقدمًا في استخدام أساطيل الطائرات بشكل أكثر كفاءة، واتباع استراتيجيات تسعير ديناميكية من شركات الطيران منخفضة التكلفة، وكذلك تحسين سياسات الحجز والإلغاء.

في نهاية المطاف، يصعب تحديد الفائز في هذه المنافسة بين الشركات التقليدية ومنخفضة التكلفة. ومع استمرار كل طرف في التكيف مع المتغيرات والابتكار في استراتيجياته، يبدو أن المستقبل سيحمل مزيجًا من الأساليب المختلفة.

وبينما تتوسع شركات الطيران منخفضة التكلفة في سوق الطيران، فإن الشركات التقليدية تظهر مرونة عالية في إعادة هيكلة نفسها لضمان بقائها في المنافسة.