لقاء شي وترامب يمنح بكين هدنة مؤقتة دون إنهاء الانقسام الاقتصادي

وفّرت القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب متنفساً محدوداً لبكين في خضم عملية الانفصال التدريجي عن الاقتصاد الأمريكي، لكنها لم تُنهِ الانقسام العميق القائم بين القوتين، بحسب تحليل صادر عن مؤسسة Capital Economics المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية العالمية.
وأشارت المؤسسة إلى أن خفض بعض الرسوم الجمركية الأمريكية لن ينعكس إلا بتأثير اقتصادي متواضع على الصين، غير أنه يزيل التهديد الفوري بفرض زيادات إضافية كانت قد تُضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بما يصل إلى 2%.
وأضافت أن الشركات الصينية استطاعت، في الغالب، التكيّف مع التعريفات السابقة، مما يجعل المكاسب الفورية محدودة.
وأكدت وزارة التجارة الصينية أن واشنطن قررت تقليص الرسوم على السلع المرتبطة بالفنتانيل من 20% إلى 10%، مع تعليق التحقيق في قطاع بناء السفن الصيني، بينما ألمح ترامب إلى إمكانية تخفيف القيود المفروضة على صادرات Nvidia من الرقائق الإلكترونية، باستثناء النماذج الأكثر تطوراً من سلسلة Blackwell.
وقال جوليان إيفانز-بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في Capital Economics، إن الخطوات الأمريكية الأخيرة “تُخفف من المخاطر قصيرة المدى على الاقتصاد الصيني، لكنها لا تغيّر مسار العلاقة المتوترة بين البلدين”.
وأوضح أن التراجع عن تهديد رفع الرسوم بنسبة 100% يمثل “تأميناً مؤقتاً” للاقتصاد العالمي من صدمة محتملة.
وفي المقابل، ألغت واشنطن مؤقتاً قاعدة كانت توسّع نطاق العقوبات التجارية لتشمل الشركات التابعة، مما خفف الضغط على عدد كبير من الكيانات الصينية. كما وافقت بكين على زيادة وارداتها الزراعية من الولايات المتحدة وتأجيل فرض ضوابط تصدير جديدة لمدة عام.
ورغم هذه التنازلات المتبادلة، لا يزال متوسط الرسوم الأمريكية المفروضة على الواردات الصينية عند مستوى 30%، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وتشير تقديرات Capital Economics إلى أن إلغاء جزء من هذه الزيادات قد يرفع الناتج المحلي الصيني بنسبة طفيفة لا تتجاوز 0.1%، إذ يمكن أن يقابل ارتفاع قيمة اليوان أي مكاسب اقتصادية محتملة.
وصرّح ترامب بأن هذه التفاهمات تمهّد لاتفاق تجاري شامل قد يُعلن عنه خلال زيارته المرتقبة إلى بكين في أبريل المقبل، حيث تم تمديد الموعد النهائي لعودة الرسوم الأمريكية إلى 34% لمدة عام إضافي، في إشارة إلى رغبة الطرفين في إبقاء التوترات تحت السيطرة.
ومع ذلك، حذّر إيفانز-بريتشارد من أن “أي انقطاع جديد في العلاقات بين واشنطن وبكين يبقى احتمالاً قائماً”، لافتاً إلى أن العوامل الجيوسياسية ما تزال غامضة وصعبة التنبؤ.
ويرى الخبير أن أي اتفاق محتمل سيشبه اتفاق “المرحلة الأولى” الذي أُبرم في عهد ترامب سابقاً، حيث تلتزم الصين بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية مقابل تخفيف محدود للرسوم، دون أن يمسّ ذلك جذور المنافسة الاستراتيجية بين الطرفين.
وبينما تكسب الصين وقتاً ثميناً لإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية، تمضي واشنطن قدماً في تنويع سلاسل الإمداد من خلال شراكات جديدة في قطاع المعادن الحيوية والاستثمار في أحواض بناء السفن المحلية.
في المقابل، تركّز الخطة الخمسية المقبلة لبكين على تعزيز الاعتماد الذاتي في التكنولوجيا وبناء نظام مالي أكثر استقلالية، ما يؤكد أن الهدنة الحالية ليست سوى فصل قصير في مسار طويل من التنافس بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.




