حرب العملات..صراع خفي يغير موازين الاقتصاد العالمي

اهتزت الأسواق العالمية بشكل غير مسبوق في صباح يوم غشت 2015 بعد أن قررت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خفض قيمة عملتها (اليوان) بنسبة تقارب 3%، وهي أكبر نسبة تخفيض منذ أكثر من عقدين.
هذه الخطوة لم تكن مجرد حدث عابر؛ فقد أدت إلى تراجع حاد في البورصات العالمية، بينما سارع المستثمرون إلى اللجوء للأصول الآمنة. وتصدرت وسائل الإعلام الغربية التحذيرات من احتمال بداية حرب عملات طويلة الأمد بين بعض من أكثر العملات تداولًا في العالم.
و كان قرار الصين حينها جزءًا من صراع اقتصادي طويل الأمد، ليس بالأسلحة، بل عبر أدوات مثل أسعار الفائدة، التيسير الكمي، والتدخلات في أسواق الصرف.
لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ بمكانته كأهم عملة احتياطية عالمية، حيث يشكل حوالي 59% من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
تأثير سياسات الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد العالمي هائل، خاصة في ما يتعلق بتغيير أسعار الفائدة وبرامج التيسير الكمي التي تؤثر بشكل كبير في تدفقات رأس المال وأسعار العملات الأخرى.
أما اليورو، ورغم كونه ثاني أكثر العملات تداولًا، يواجه تحديات هيكلية داخل منطقة اليورو التي تتسم بتفاوت اقتصادي بين الدول الأعضاء. هذه الفوارق تؤثر على قدرة البنك المركزي الأوروبي في تنسيق سياسة نقدية موحدة تدعم كافة الدول في المنطقة.
الين الياباني، رغم كونه ثالث أكبر العملات تداولًا، يواجه صعوبة في مواجهة التحديات الناتجة عن السياسات النقدية التوسعية لبنك اليابان.
هذه السياسات، التي تشمل معدلات الفائدة السلبية وبرامج شراء الأصول، لم تنجح في تحفيز النمو الاقتصادي بالشكل المتوقع.
يعتبر اليوان الصيني من بين العملات الرئيسية التي تسعى الصين لتوسيع نطاق استخدامها في التجارة الدولية، خاصة مع دول مثل روسيا وبعض بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وعلى الرغم من أن اليوان لا يزال بعيدًا عن منافسة الدولار بشكل مباشر، إلا أن الصين تسعى جاهدة لتوسيع دوره عبر تدخلات مباشرة في أسواق الصرف، وتعزيز استخدامه في التبادلات التجارية الدولية.
أكثر العملات تداولًا في سوق الفوركس ومتوسطات حجم التداول اليومي
الترتيب |
العملة |
متوسط حجم التداول اليومي (بالمليار دولار أمريكي) |
1 |
الدولار الأمريكي |
6600 |
2 |
اليورو |
2300 |
3 |
الين |
1200 |
4 |
الجنيه الإسترليني |
968 |
5 |
اليوان |
526 |
6 |
الدولار الأسترالي |
479 |
7 |
الدولار الكندي |
467 |
على الرغم من هيمنة الدولار الأمريكي، تحاول عدة دول مثل الصين وروسيا تقليل اعتمادها على العملة الأمريكية. ففي إطار مجموعة بريكس، التي تضم الآن الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، بدأ الأعضاء في استخدام عملاتهم المحلية بشكل أكبر في التبادلات التجارية، ما يقلل من الاعتماد على الدولار.
كما أن روسيا، في ظل العقوبات الغربية، بدأت في تخزين احتياطيات ضخمة من الذهب وتعزيز استخدام اليوان في المعاملات الدولية.
ورغم أن هذه المحاولات لم تنجح بشكل كافٍ في كسر هيمنة الدولار، فإنها تشير إلى بداية تغييرات تدريجية في التوازنات النقدية العالمية.
ظهرت العملات الرقمية كأداة جديدة يمكن أن تغير موازين القوى في الأسواق المالية. منذ إطلاق البيتكوين في 2009، توسعت العملات الرقمية لتشمل مشاريع جديدة تهدف إلى تجاوز الأنظمة المصرفية التقليدية.
في هذا السياق، بدأت بعض الدول في تطوير عملات رقمية رسمية تُدار من قبل البنوك المركزية، مثل “اليوان الرقمي” الصيني، في خطوة تهدف إلى تعزيز السيطرة على النظام النقدي.
ورغم أن العملات الرقمية لا تهدد هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية في الوقت الحالي، فإنها تُمثل تحديًا متزايد الأهمية في النظام المالي العالمي.
تعد أسعار الفائدة أحد أهم الأدوات في حرب العملات. على سبيل المثال، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بشكل سريع في عامي 2022 و2023 لمكافحة التضخم، مما أدى إلى تدفق رأس المال نحو الولايات المتحدة وضعف عملات الأسواق الناشئة.
التيسير الكمي هو أيضًا أداة رئيسية، حيث تقوم البنوك المركزية بشراء الأصول المالية طويلة الأجل لتحفيز الاقتصاد، وهو ما يؤثر على قيمة العملة المحلية.
التدخلات المباشرة في أسواق الصرف الأجنبي، مثل ما يحدث في اليابان والصين، تُعد أيضًا أدوات بارزة في هذه الحرب. على سبيل المثال، أنفق بنك اليابان تريليونات الين لدعم عملته في مواجهة تراجع قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
تُجسد حرب العملات صراعًا خفيًا بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث يسعى كل طرف لتعزيز موقعه الجيوسياسي والاقتصادي.
وبينما يظل الدولار الأمريكي في صدارة العملات العالمية، فإن التحركات المتزايدة من دول مثل الصين وروسيا تعكس جهودًا حثيثة لكسر هذه الهيمنة. وفي هذا السياق، يتطلب العالم وعيًا متزايدًا بأبعاد هذه الحرب، وضرورة التنسيق الدولي لتفادي تصعيد قد يضر باستقرار الاقتصاد العالمي ومصالح الشعوب.