الأسهمالاقتصادية

جدلية العائد للمساهمين: أيهما أفضل؟ توزيع الأرباح النقدية أم إعادة شراء الأسهم؟

تجد كبريات الشركات العالمية نفسها أمام مفترق طرق مالي عند التعامل مع الفوائض النقدية الضخمة، حيث تكمن المعضلة الاستراتيجية في الاختيار بين توجيه هذه الأموال نحو توزيع أرباح نقدية مباشرة على المساهمين، أو استثمارها في إعادة شراء أسهمها من السوق.

وقد أصبحت هذه الجدلية محور اهتمام متزايد، خصوصاً بعد أن ضخّت شركات عملاقة مثل آبل، ومايكروسوفت، وميتا مئات المليارات في برامج إعادة الشراء مقابل إبقاء التوزيعات النقدية عند مستويات متواضعة.

ومثال ذلك ما حدث في ربيع عام 2023 مع مساهمي آبل، فبالرغم من امتلاك الشركة لاحتياطيات نقدية تجاوزت 165 مليار دولار، أعلنت عن برنامج ضخم لإعادة شراء الأسهم بقيمة 90 مليار دولار، بينما أبقت على التوزيع النقدي عند 0.24 دولار للسهم الواحد.

هذا الموقف أثار انقساماً بين المستثمرين، فمن جهة رأى فريق أن ضخ هذا الحجم من السيولة في إعادة الشراء سيعزز سعر السهم وربحيته على المدى الطويل، فيما تساءل آخرون عن جدوى تجاهل توزيع أرباح نقدية أكبر في ظل التدفقات النقدية الضخمة التي تحققها الشركة، لا سيما المستثمرين القدامى والصناديق التقاعدية التي تفضل الدخل الثابت.

وقد أظهرت بيانات عام 2024 هيمنة خيار إعادة الشراء، حيث أعادت شركات مؤشر S&P 500 للمساهمين نحو 1.6 تريليون دولار أمريكي، منها رقم تاريخي بلغ 942.5 مليار دولار عبر إعادة الشراء، مقابل 629.6 مليار دولار كأرباح نقدية.

ويظل الخيار الأوضح والأبسط للمساهمين هو توزيعات الأرباح النقدية، التي تمنحهم تدفقاً نقدياً مباشراً ومتوقعاً، وهو عائد مضمون يمثل مصدر طمأنينة للمستثمرين الباحثين عن دخل ثابت.

لكن هذا العائد المضمون يأتي على حساب مرونة الشركة، إذ تجد الشركات التي تعتمد على توزيع أرباح ثابتة نفسها مضطرة للحفاظ على الوتيرة ذاتها حتى في فترات ضعف الأرباح، لأن أي خفض يُفسَّر سلبياً في السوق ويعطي إشارة تراجع في الأداء.

في المقابل، تمثل إعادة شراء الأسهم رهاناً على المستقبل، لا سيما عندما ترى الإدارة أن سعر السهم في السوق أقل من قيمته الحقيقية، حيث إن تقليص عدد الأسهم القائمة يعزز تلقائياً ربحية السهم، ويدعم سعره في السوق.

وتتمتع عملية إعادة الشراء بميزة إضافية تتعلق بالجانب الضريبي، وهي عامل مؤثر في تفضيلات المستثمرين؛ ففي الولايات المتحدة، تُعامَل الأرباح النقدية كدخل خاضع للضريبة في سنة التوزيع، بينما تُفرض الضرائب على مكاسب رأس المال الناتجة عن إعادة الشراء فقط عند بيع الأسهم.

ووفقاً لتقديرات اللجنة المشتركة للضرائب الأمريكية، لا تزال الميزة الضريبية تميل لصالح إعادة الشراء بفارق يتراوح بين 5% إلى 8%، وهو ما يدفع المستثمرين الكبار، مثل صناديق التحوط والمؤسسات الاستثمارية، إلى تفضيل هذا الخيار بسبب الكفاءة الضريبية والقدرة على التحكم في توقيت تحقيق الأرباح، بينما يظل المستثمر الفردي الذي يعتمد على العائد المنتظم يرى في التوزيعات النقدية وسيلة مضمونة للدخل الدوري.

مقارنة بين إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح

البند

توزيعات الأرباح

إعادة شراء الأسهم

المرونة

منخفضة وفي حال عدم الالتزام بها تعطي إشارة سلبية للسوق

عالية ويمكن تعديلها أو إيقافها حسب وضع السيولة

تأثيرها على ربحية السهم

لا تؤثر مباشرة على عدد الأسهم

تقلل عدد الأسهم القائمة فترفع ربحية السهم

رد فعل السوق

إيجابي عند الاستقرار وسلبي عند الخفض

عادة إيجابي في حال كانت الشركة ذات تدفقات نقدية قوية

الأثر الضريبي للمستثمر

خاضعة للضرائب في أغلب الأنظمة

معفاة في بعض الدول

المخاطر المحتملة

قد تقلل من قدرة الشركة على تمويل النمو

قد تُستخدم لتجميل الأداء المالي مؤقتًا

وتمنح إعادة شراء الأسهم الإدارة هامش حركة يجمع بين الانضباط والتكيّف؛ فهي تتيح تحديد توقيت المشتريات وضخ المبالغ عند توفر الفوائض، وإيقاف البرنامج مؤقتاً إذا ضعفت التدفقات أو واجهت الشركة التزامات مالية ملحة.

في المقابل، تتحول توزيعات الأرباح غالباً إلى التزام دائم يصعب خفضه دون أن يُساء تفسيره في السوق كإشارة ضعف، مما يجبر بعض الشركات، مثل إيه تي آند تي قبل قرارها في 2022، على التمسّك بالتوزيعات رغم ضغوط السيولة.

وقد أظهرت بيانات مؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشونال أن الشركات التي تعتمد برامج إعادة شراء منتظمة ومنضبطة، مثل مايكروسوفت وإكسون موبيل، سجلت أداءً يفوق نظيراتها التي تكتفي بتوزيعات نقدية مرتفعة دون إعادة شراء.

ويعني هذا أنه إذا كانت التدفقات النقدية للشركة قوية وفرص النمو محدودة، فإن إعادة الشراء قد تُعدّ الخيار الأمثل لرفع قيمة السهم وتحسين مؤشرات الربحية، بينما قد تتحول التوزيعات النقدية إلى عبء على مرونة الأداء إذا كانت الشركة بحاجة إلى تمويل مشاريع جديدة أو تغطية ديون.

وعندما تعلن الشركة عن رفع توزيعات أرباحها، تُفسَّر هذه الخطوة في أوساط المستثمرين كإشارة واضحة على صحة القوائم المالية وثقة الإدارة في استمرارية الربحية، بينما تعكس برامج إعادة الشراء ثقة الإدارة بسعر السهم في السوق، لكن قد يُنظر إليها أحياناً كطريقة لرفع ربحية السهم بصورة اصطناعية لزيادة العوائد التي تُحسب للمسؤولين التنفيذيين.

كما أن توجيه الموارد نحو إعادة الشراء بدل استثمارها في البحث والتطوير قد يُفسَّر كمؤشر على تفضيل الإدارة للعوائد السريعة على حساب النمو المستدام طويل الأجل.

وفي النهاية، ليست المسألة من يفوز “توزيعات أم إعادة شراء”، بل من يدمج العائد والسيولة والنمو والحوكمة في سياسة واحدة تعكس استراتيجية الشركة وسياقها المالي.

فبالنسبة للمستثمرين الباحثين عن الدخل، تبقى الأرباح النقدية هي الخيار الأنسب، أما في الشركات الناضجة ذات الفوائض النقدية المحدودة الفرص الاستثمارية، فإن إعادة الشراء غالباً ما تحقق قيمة أعلى للمساهمين، لكن يجب على مجالس الإدارات النظر في الاستدامة والحوكمة والتوازن لضمان أن أفضل عائد للمساهمين يتحقق عندما تكون سياسات توزيع رأس المال مرتبطة باستراتيجية محكمة ذات قيمة حقيقية، وليس مجرد وسيلة تجميل للأداء المالي.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى