الاقتصادية

ترامب يقيل رئيسة مكتب الإحصاءات.. هل تُهدد السياسة مصداقية بيانات الاقتصاد الأمريكي؟

أظهرت بيانات الوظائف الأمريكية لشهر يوليو أداءً أضعف من التوقعات، مع مراجعات كبيرة للأسابيع السابقة بالخفض، لكن اللافت كان رد فعل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الذي أمر بإقالة رئيسة مكتب إحصاءات العمل “إريكا ماكنترفر” بعد ساعات فقط من صدور التقرير، متهمًا إياها بالتلاعب السياسي بالبيانات دون تقديم أي دليل.

شعر ترامب بالاستياء لأن الاقتصاد الأمريكي أضاف فقط 73 ألف وظيفة خلال يوليو، رغم موجات تسريح الموظفين التي شهدها السوق في الشهور الأولى من ولايته الثانية.

في منشور على منصته، أكد الرئيس ضرورة وجود بيانات وظائف دقيقة، معلنًا عن إقالة “ماكنترفر” وتعيين بديل “أكثر كفاءة”، ما جعلها كبش فداء لما وصفه بضعف سوق العمل.

هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الإحصاءات الاقتصادية تثير قلق الخبراء، إذ يشيرون إلى أن تدخل القادة السياسيين في البيانات الحكومية غالبًا ما يؤدي إلى نتائج سلبية، خصوصًا وأن البيانات الاقتصادية المستقلة والموثوقة هي حجر الزاوية لاتخاذ قرارات صحيحة سواء في القطاعين العام أو الخاص.

يعمل مكتب الإحصاءات التابع لوزارة العمل بشكل مستقل ويصدر بيانات دقيقة عن التوظيف، الأسعار، والأجور.

وتعتمد قرارات الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة جيروم باول، بشكل كبير على هذه البيانات لتحديد تحركات أسعار الفائدة، إذ يؤكد باول أن جودة البيانات تخدم كلًا من البنك والحكومة.

حالات لتدخل القادة السياسيين في الإحصاءات الاقتصادية

الحالة

التوضيح

اليونان

بناءً على تقرير صادر عن “يوروستات” قامت اليونان بتعديل بيانات عجزها المالي مرارًا وتكرارًا، مما أشار إلى ضعف في جودة البيانات، ووصف هذه المراجعات بأنها نادرة للغاية في دول الاتحاد الأوروبي.

أسهم ذلك في أزمة ديون منهكة تطلبت عدة جوالات من عمليات الإنقاذ، وقامت الدولة بمقاضاة رئيس وكالة الإحصاءات جنائيًا عندما أصر على نشر الأرقام الحقيقية، مما زاد من تآكل مكانة البلاد.

الصين

في وقت سابق خلال القرن الحالي، تلاعبت السلطات المحلية بالبيانات من أجل تحقيق مستهدفات النمو التي حددتها الدولة، مما دفع المحللين وصانعي السياسات للجوء لتدابير بديلة لتقييم الوضع الاقتصادي للبلاد

الأرجنتين

في الفترة من 2007 حتى 2015، تدخلت حكومة الأرجنتين لخفض بيانات التضخم، إذ طردت حكومة الرئيس “نيستور كيرشنر” عالم الرياضيات المسؤول عن بيانات أسعار المستهلكين ثم أصدرت رقم أقل بكثير عما قدره.

مما دفع المجتمع الدولي للتوقف عن الاعتماد على البيانات الرسمية والبحث عن مصادر بديلة، وأدان صندوق النقد الدولي الأمر بسبب التلاعب في البيانات

البرازيل

محاولات رئيسة البلاد السابقة “ديلما روسيف” بين عامي 2012 و2015، لخفض بيانات الديون والعجز في البرازيل

تنافس الدول لعرض معدلات نمو مرتفعة وانخفاض في البطالة، لكن التاريخ يشهد محاولات حكومات للتلاعب في الإحصاءات عبر تعديل البيانات الخام أو استغلال ثغرات منهجية.

رغم أن قرار إقالة “ماكنترفر” يعكس تدخلًا سياسيًا صارخًا، دافع البيت الأبيض عن الخطوة باعتبارها ضرورية، حيث أكد “كيفن هاسيت” مدير المجلس الاقتصادي الوطني أن هناك حاجة لقيادة جديدة وأن القلق تركز على تقرير الوظائف الأخير فقط.

يُذكر أن مكتب إحصاءات العمل يراجع البيانات بشكل دوري بسبب طبيعة جمعها من استطلاعات قد تتأخر أحيانًا، وهذا لا يعني وجود تلاعب أو مخالفات.

تدخلات من هذا النوع تضر بثقة الجمهور والمستثمرين في جودة البيانات الحكومية، وهو ما أكد عليه “مايكل مادويتز” كبير الاقتصاديين في معهد روزفلت، مشيرًا إلى أن استعادة الثقة بعد فقدانها أمر في غاية الصعوبة.

هل حقًا تلاعب مكتب إحصاءات العمل في بيانات الوظائف الأمريكية؟

المسؤول/الجهة

التوضيح

إشادات سابقة

سبق وأشاد “ترامب” بتقارير مكتب إحصاءات العمل عندما كانت مواتية لإدارته على مدار أبريل ومايو ويونيو، وذكر البيت الأبيض من قبل أن تقرير الوظائف لشهر أبريل أثبت أن ترامب ينعش الاقتصاد، وفي يونيو كتب الرئيس على منصته: أرقام وظائف رائعة.

“آمي أوهارا” الأستاذة بجامعة “جورج تاون”

أثار تدخل “ترامب” تساؤلات منها: هل هذا يعني أنه إذا ساءت الأرقام أكثر فسوف يقيل مسؤولاً آخر؟ أما إذا تحسنت فهل ستكون هناك مكافآت؟

وتحديدًا، تساءلت “أوهارا”: إذا جاءت بيانات الفقر جيدة فهل سيحصل المسؤول عن البيانات على زيادة” أما إذا كانت أرقام دخل الأسر جيدة فماذا سيحدث؟ وماذا عن الناتج المحلي الإجمالي وعن مؤشر أسعار المستهلكين؟

“جانيت يلين” رئيسة الفيدرالي ووزير الخزانة السابقة

صرحت بأن إقالة “ماكينتارفر” لم تكن متوقعة من أكثر اقتصادات العالم تقدمًا.

“ويليام بيتش” المفوض السابق لمكتب إحصاءات العمل

أوضح أن المكتب هو أفضل وكالة إحصائية في العالم أجمع وأرقامه موثوقة وأن هجوم الرئيس على مسؤول المكتب يقوض الثقة على المدى الطويل.

وزير الخزانة الأسبق “لاري سامرز”

وصف اتهام “ترامب” دون تقديم أدلة بأنه اتهام سخيف، قائلاً: تجمع هذه الأرقام فرق من مئات الأشخاص باتباع إجراءات مفصلة، ومن المستحيل أن يكون رئيس المكتب قادرًا على التلاعب بها، مضيفًا أن البيانات تتوافق مع ما توضحه مصادر مختلفة في القطاع الخاص

وتُعتبر مصداقية البيانات الأمريكية ركيزة أساسية لاقتصاد يُعد الأقوى عالميًا، وله تاريخ طويل من الإفصاح الشفاف، مما يجعل أي تشويش عليها أمرًا ذا عواقب وخيمة.

في ظل حملة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، يتزايد نفوذ الرئيس ترامب في قطاع الاقتصاد، وهو ما يعكس تأثيرًا سلبيًا على ثقة الأسواق والجهات الفاعلة في الإحصاءات الرسمية، التي تعد الأساس لاتخاذ قرارات استثمارية وتجارية حاسمة.

تأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الاقتصاد حالة من عدم اليقين، مما يطرح تساؤلات حاسمة حول مدى استمرار هذا النفوذ وتأثيره على مستقبل البيانات الاقتصادية الأمريكية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى