بين النقر والتوصيل.. كيف سيطرت التطبيقات على المشهد الاستهلاكي في المغرب؟

لم تعد زيارة السوق أو المحل القريب ضرورة يومية كما كانت في السابق، إذ باتت التجارة المحلية في المغرب تعرف تحولاً عميقاً تقوده التكنولوجيا وتغير سلوك المستهلكين. اليوم، يكفي بضع نقرات على الهاتف الذكي ليصل كل ما يحتاجه الفرد إلى باب منزله، من البقالة والوجبات إلى الأدوية.
في هذا السياق، تشهد الأسواق المحلية بالمملكة ديناميكية جديدة عنوانها الرقمنة وخدمات التوصيل، مما أعاد رسم ملامح تجربة التسوق اليومية وأدخل التكنولوجيات الحديثة إلى صلب الحياة الاقتصادية المحلية.
ففي المدن الكبرى، أصبحت المتاجر توفر خدمات الطلب عبر الإنترنت باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية، تتيح للمستهلكين اختيار توقيت التوصيل وتتبع الشحنات في الزمن الحقيقي، مع تسهيلات تشمل خيارات الدفع الإلكتروني وسلال مخصصة حسب تفضيلات الزبون.
ولم تعد هذه الديناميكية مقتصرة على كبريات المتاجر، إذ التحقت بها العديد من المتاجر الصغيرة من بقالة وصيدليات ومطاعم سريعة، عبر الانضمام إلى منصات محلية للتوصيل. وأصبح من الممكن للمستهلك أن يحصل على حاجياته الغذائية أو الدوائية بمجرد نقرات قليلة، دون مغادرة منزله.
وتأتي هذه القفزة بفضل نمو شبكة الخدمات اللوجستية المحلية، التي تؤمن تغطية حضرية وضواحيها بتكاليف منخفضة نسبياً، تتراوح بين 20 و25 درهماً. كما ساعد انتشار المستودعات الثانوية ونقاط التجميع في الأحياء على تحسين ما يعرف بـ”لوجستيك الميل الأخير”، وهو التحدي الأصعب في سلسلة التوصيل.
ويقول محسن بنخالدون، الخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي: “الرقمنة غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للتجار الصغار. لقد أصبح بمقدورهم اليوم التوسع والوصول إلى زبناء جدد دون مغادرة متاجرهم، وهو ما يمنحهم فرصة حقيقية للتنافس مع العلامات الكبرى.”
وأضاف في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء أن العقبة الأبرز تبقى في الوصول الفعال للمناطق النائية، لكنه يرى أن الحلول متوفرة عبر تطوير المستودعات، واعتماد جولات منتظمة، ونشر نقاط التجميع المحلية.
وبحسب بنخالدون، فإن صعود التجارة الإلكترونية المحلية في المدن الصغرى ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مزدوجة لتحول في سلوك المستهلكين مدفوع بالتكنولوجيا، وتزايد الاعتماد على تطبيقات واتساب وإنستغرام كقنوات بيع مباشرة.
وعن مستقبل هذا النموذج الهجين، شدد على ضرورة مواكبة التطور من خلال تدريب الموزعين، وتحسين كفاءة التطبيقات، وتعزيز قدرات التجار في التسيير الرقمي. وقال: “نجاح التجارة الإلكترونية المحلية لن يتحقق دون بنية لوجستية موثوقة وتجربة زبون سهلة وسلسة.”
وأشار إلى أن الرقمنة أعادت تعريف دور التاجر المحلي، وعلى رأسهم البقال، الذي بات اليوم لاعباً مركزياً في منظومة رقمية مصغرة تضم المنصات، والموزعين، والعملاء.
كما أن الطلب الرقمي المتزايد من طرف الشباب يدفع التجار نحو الابتكار وتحسين عروضهم باستمرار.
هذا التحول لا ينعكس فقط على رقم معاملات التجار وتحسين خدماتهم، بل يساهم أيضاً في تقليل الازدحام الحضري، وتخفيض التنقلات، وتيسير تتبع حركة المنتجات.
وفي ظل هذا السياق، تعمل كبريات العلامات التجارية على تعزيز وجودها محلياً عبر الاستثمار في أنظمة توصيل أكثر تطوراً، تُمكنها من بناء علاقة أقرب مع العملاء، وجمع بيانات دقيقة تفيد في تحسين المنتجات وتعزيز ولاء الزبناء.
أما المستهلك، فيحظى اليوم بتجربة تسوق أكثر سرعة وراحة، تلبي حاجياته بكفاءة، وتدفع حتى أكثر المتعلقين بالتجارة التقليدية إلى التكيف مع معايير رقمية باتت تُرسم كقاعدة جديدة للشراء اليومي.