النرويج تتحول إلى الرائدة عالمياً في السيارات الكهربائية مع خطط لوقف بيع سيارات الوقود الأحفوري

في أوسلو، عاصمة النرويج، لم يعد وجود السيارات الكهربائية مجرد خيار بل هو المشهد السائد، حيث تسيطر المركبات ذات اللوحات التي تبدأ بحرف “E” على الشوارع، مما يعكس التحول الطموح الذي تقوده البلاد لتكون أول دولة توقف بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري تمامًا.
تتمتع النرويج، التي تعد من أكبر منتجي النفط والغاز في بحر الشمال، بمسار فريد في تبني السيارات الكهربائية، مما يجعلها رائدة عالميًا في هذا المجال.
وتكشف بيانات جمعية “إن إي في إيه” أن حوالي 30% من سيارات الركاب في المدن النرويجية الكبرى كهربائية بالكامل، وترتفع هذه النسبة إلى 40% في العاصمة أوسلو.
بحلول عام 2024، حققت النرويج رقمًا قياسيًا جديدًا كأول دولة تتفوق فيها مبيعات السيارات الكهربائية على مبيعات السيارات التي تعمل بالبنزين، رغم ثروتها النفطية.
وتعكس هذه الخطوة التزام البلاد الطموح بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2030، مما يدل على زيادة الوعي البيئي لدى سكانها، الذين يبلغ عددهم حوالي 5.5 مليون نسمة.
لم تكن السيارات الكهربائية شائعة في النرويج قبل عقد من الزمن، إذ كانت نسبتها أقل من 1% من مبيعات السيارات الجديدة عام 2010. واليوم، يقترب معدل مبيعات السيارات الكهربائية من 90% من إجمالي السيارات الجديدة، في حين تبلغ هذه النسبة 8% فقط في الولايات المتحدة و13% في منطقة اليورو و27% في الصين.
جاء هذا الانتشار مدعومًا بحوافز مالية كبيرة قدمتها الحكومة النرويجية، مستفيدة من عوائدها من صادرات النفط. فقد بدأت دعم المركبات الكهربائية منذ أوائل التسعينيات مع فرض ضرائب متزايدة على السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي، مما زاد من تكاليفها وحفّز المواطنين على اختيار البدائل الكهربائية.
إضافة إلى ذلك، لعبت الحكومة دورًا فاعلًا في بناء شبكة شحن متقدمة، حيث دعمت تركيب آلاف محطات الشحن من خلال مناقصات تنافسية، مما عزز الثقة لدى المستهلكين وزاد من الطلب على السيارات الكهربائية.
تحتل النرويج المرتبة الثانية في أوروبا من حيث كثافة نقاط الشحن بالنسبة لعدد السكان، مع ما يقارب 30 ألف نقطة شحن عامة، تشمل خدمات إضافية مثل الإنترنت اللاسلكي والمقاهي في بعض المحطات، ما يسهل على المستخدمين قضاء الوقت أثناء شحن سياراتهم.
وتتميز الشبكة بسرعات شحن عالية وتعتمد في تشغيلها على الطاقة المتجددة بنسبة تقارب 100%. كما أن أقصى مسافة بين محطات الشحن السريع في أقصى شمال البلاد لا تتجاوز 80 ميلاً، ما يزيل مخاوف محدودة مدى السفر.
يقول “تومي أولسن”، سائق تاكسي، إن التحول للسيارات الكهربائية خفّض من نفقاته بنحو 20%. في المقابل، يعبر شاب في الـ21 من عمره عن تحفظه بشأن الاعتماد على السيارات الكهربائية في الرحلات الطويلة بسبب الظروف الجوية المتقلبة، معتبراً أنها مناسبة أكثر للاستخدام داخل المدينة.
تعتمد النرويج كليًا على استيراد السيارات الكهربائية، حيث تتصدر “تسلا” و”فولكس فاجن” و”تويوتا” قائمة الأكثر مبيعًا. كما تشهد السيارات الصينية مثل “إم جي” و”بي واي دي” حضورًا متزايدًا يشكل نحو 10% من السوق.
مع تسارع تبني السيارات الكهربائية في النرويج، والدعم الحكومي القوي، وارتفاع أسعار الوقود التقليدي، أصبح الخيار الكهربائي ليس فقط بيئيًا بل اقتصاديًا مفضلاً. يبقى السؤال قائمًا: هل ستنجح دول أخرى في تقليد هذه التجربة وتحقيق انتقال ناجح نحو مستقبل أكثر استدامة؟