اقتصاد المغربالأخبار

المغرب في سباق مع الزمن لتفادي ضريبة الكربون الأوروبية

مع اقتراب عام 2026، يجد المغرب نفسه في سباق مع الزمن لمواجهة أبرز تحدٍ تنظيمي قادم من شريكه التجاري الأكبر، الاتحاد الأوروبي. لم يعد الأمر مجرد نقاش بيئي، بل أصبح مسألة حيوية ترتبط مباشرة بـ62% من الصادرات الوطنية المتجهة نحو القارة العجوز.

ففي يناير 2026، تدخل آلية تعديل الكربون على الحدود الأوروبية (CBAM) حيز التنفيذ الكامل، لتبدأ بفرض رسوم على البضائع المستوردة بناءً على كثافة انبعاثاتها الكربونية.

هذه “الضريبة الخضراء”، وهي الأولى من نوعها عالميًا وجزء من “الميثاق الأخضر الأوروبي”، تستهدف في مرحلتتها الأولى قطاعات حيوية مثل الحديد، الأسمنت، الأسمدة، والألمنيوم.

وهنا يبرز القلق المغربي، حيث تُعد صادرات الأسمدة التي تقودها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، أحد أكبر اللاعبين في القطاع عالميًا، في صلب الاستهداف.

تُشير التقديرات إلى أن التأثير الفوري لـ “CBAM” قد يبدو محصورًا نسبيًا. فقد أوضح تقرير حديث صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) أن 3.7% من إجمالي الصادرات المغربية قد تتأثر في البداية، وتتعلق حصة كبيرة منها (2.9%) بقطاع الأسمدة وحده.

لكن الخطر الحقيقي يكمن في المستقبل. إذ أن أي توسيع محتمل لنطاق الآلية ليشمل سلعًا مُصنّعة وانبعاثات غير مباشرة سيضع قطاعات استراتيجية كالـسيارات، الطيران، الفلاحة، والسياحة على المحك، ما يهدد بـ “تآكل” قدرتها التنافسية في السوق الأوروبية التي لا غنى عنها.

رغم أن المغرب يمتلك استراتيجية وطنية طموحة لإزالة الكربون بحلول عام 2050، إلا أن تقرير المجلس لفت إلى “تأخر” في وتيرة التنفيذ، ما يزيد من صعوبة التكيف.

وبينما بدأت شركات عملاقة مثل OCP الاستعداد المبكر، تظل المقاولات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) هي الحلقة الأضعف، إذ تفتقر للتمويل الكافي لتحديث أنظمتها والامتثال للمعايير البيئية الجديدة.

لم يقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عند حدود التشخيص، بل قدم خارطة طريق شاملة للاستعداد. ومن أهم المقترحات:

  1. آلية التنسيق الوطني: إحداث هيئة عليا لضمان التنسيق بين جميع الأطراف المعنية.
  2. صندوق دعم الشركات الصغيرة: تخصيص موارد لمساعدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا المصدّرة لأوروبا، على إعداد تقارير الانبعاثات وتحديث أنماط الإنتاج.
  3. تسريع الانتقال الطاقي: التوسع في استخدام الطاقات المتجددة وتسهيل وصول الصناعات إلى الكهرباء الخضراء كأولوية قصوى.

على الصعيد الدبلوماسي، دعا المجلس إلى تحرك إقليمي منسق مع الدول الإفريقية لتبني موقف تفاوضي موحد مع بروكسل.

والهدف هو المطالبة بمعاملة تفضيلية للدول منخفضة الانبعاثات، مثل المغرب وباقي دول القارة، بما ينسجم مع مبدأ “العدالة المناخية” الذي أرساه اتفاق باريس.

في خطوة موازية، يدرس المغرب إمكانية تطبيق ضريبة كربون محلية تدريجية على القطاعات الملوثة كالحديد والأسمنت، بهدف تحفيز التحول نحو الإنتاج النظيف. وتشير التقديرات الجمركية إلى أن هذه الضريبة قد تدر ما بين 2.7 و3 مليارات درهم سنويًا.

إن آلية “CBAM” وإن كانت مصدر إيرادات محتملًا للاتحاد الأوروبي، فإنها تمثل للمغرب فرصة حاسمة لإعادة هيكلة اقتصاده، وتسريع التحول الطاقي، وهي خطوة لا تضمن فقط تحقيق الأهداف المناخية، بل الأهم، تحافظ على موقع المملكة التنافسي في الأسواق العالمية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى