العزوف السياسي للشباب المغربي: كيف فقدت الأحزاب التقليدية جيلًا بأكمله؟

أظهرت نتائج دراسة ميدانية حديثة أن الشباب الجامعي المغربي يعيش حالة من الانفصال الواضح عن الأحزاب السياسية التقليدية، حيث يعبر أغلب المشاركين عن شعورهم بأن هذه الأحزاب لم تعد تعكس تطلعاتهم أو تعبّر عن همومهم الحقيقية.
الدراسة، التي صدرت في العدد الأخير من مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية تحت عنوان “بين التراجع والرهان.. مستقبل التأثير الحزبي في الثقافة السياسية بالمغرب”، كشفت أن 78% من 300 طالب وطالبة في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء يرون أن الأحزاب السياسية الحالية لا تستجيب لمطالبهم، وأن خطابها السياسي يعاني من تعقيد اللغة ونقص المصداقية.
وفي هذا السياق، أفاد 52% من الطلبة أن هذه الخطابات لا تتناول قضاياهم اليومية بشكل فعّال وواضح.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن أكثر من نصف العينة (52%) تعاني من فقدان كامل للثقة في أي حزب سياسي مغربي، بينما يعتمد 66% منهم على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي لمعلوماتهم السياسية، في مقابل 12% فقط يتابعون وسائل الإعلام الحزبية التقليدية.
وفي تعليق له، أكد معد الدراسة عبد الحق حجي، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني، أن هذه المعطيات تدعو إلى إعادة تقييم شاملة لدور الأحزاب السياسية، ليس فقط على المستوى التنظيمي، بل أيضًا في مضمون الخطاب وآليات التواصل مع الشباب.
وأوضح أن الأزمة الحالية تتطلب إصلاحات داخلية تعزز الشفافية، وتجديد الخطاب السياسي، وإعادة إحياء المشاركة السياسية الحقيقية بدل التركيز على الشكلية.
توضح الدراسة أيضًا أن الشباب يتجه بشكل متزايد نحو فضاءات سياسية بديلة مثل شبكات التواصل الاجتماعي والمبادرات المدنية والعمل الميداني المستقل، ما يطرح تحديًا كبيرًا أمام الأحزاب التقليدية لاستعادة ثقة هذه الفئة وإعادة دمجها في الحياة السياسية.
وفي ختام الدراسة، يرى الباحث أن تجاوز الأزمة الحالية لا يكون عبر استراتيجيات انتخابية مؤقتة، بل عبر إقامة عقد سياسي جديد بين الأحزاب والمجتمع مبني على القرب، والمصداقية، والانخراط الحقيقي في حل قضايا المواطنين اليومية.
ويؤكد أن “الثقة لا تُمنح، بل تُبنى من خلال عمل متواصل وتجديد دائم في الخطاب والمؤسسات”.