الذهب يعود ليزدهر.. صعود غير مسبوق لصناديق الاستثمار

بينما كانت الأسواق العالمية تعاني من تقلبات حادة في مطلع 2020 جراء جائحة كوفيد-19، اتخذ المستثمر الأميركي الشهير “راي داليو”، مؤسس صندوق بريدج ووتر أسوشيتس، خطوة غير تقليدية بزيادة حصته في الذهب ضمن محفظته الاستثمارية.
القرار أثار جدلًا واسعًا، إذ جاء على حساب الأسهم والسندات في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي يترنح. لكن داليو رأى في الذهب أداة استراتيجية للتحوّط، مؤكدًا في تصريحاته الشهيرة: “من لا يملك ذهبًا لا يعرف كيف يحمي نفسه من الغباء المالي”، معتبرًا المعدن الأصفر وسيلة لمواجهة السياسات المالية والنقدية غير المستقرة.
ولم تمضِ سوى أشهر حتى أثبت الذهب قيمته، إذ ارتفع سعره من نحو 1500 دولار للأوقية في يناير 2020 إلى أكثر من 2000 دولار في أغسطس، أي بزيادة تجاوزت 33%، مواكبًا تصاعد المخاوف من الانهيار الاقتصادي.
كانت تلك الفترة بمثابة “العصر الذهبي” للمعدن، حيث تهاوت الأسواق التقليدية وسجل الذهب ارتفاعات قياسية، ما جذب صناديق الذهب المتداولة مليارات الدولارات من المستثمرين الباحثين عن الأمان.
مع مرور السنوات، ومع تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وعودة البنوك المركزية إلى سياسات التيسير النقدي، شهدت صناديق الاستثمار في الذهب إقبالًا متجددًا.
|
أكبر خمس دول تملك احتياطيات لدى بنوكها المركزية (وفقًا لبيانات مجلس الذهب 2024) |
||
| الترتيب | الدولة |
احتياطات الذهب (طن متري) |
| 1 |
الولايات المتحدة الأمريكية |
8133 |
| 2 | ألمانيا | 3350 |
| 3 | إيطاليا | 2452 |
| 4 | فرنسا | 2437 |
| 5 | الصين | 2279 |
وبحسب مجلس الذهب العالمي، ارتفعت حيازات صناديق الذهب العالمية في سبتمبر 2024 بمقدار 46 طنًا لتصل إلى 3226 طنًا، مسجلة أكبر زيادة شهرية منذ أكثر من عامين، مدفوعة بالطلب المؤسسي وتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
منذ جائحة كوفيد-19 مرورًا بالحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، أصبح الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين للحفاظ على القيمة وسط عدم اليقين.
في 2025، صعد سعر الذهب إلى نحو 4378 دولارًا للأوقية في أكتوبر، ما جعل العام الحالي أحد أكثر الأعوام ازدهارًا للمعدن. وسجلت صناديق الذهب المتداولة تدفقات شهرية قياسية بلغت نحو 26 مليار دولار في سبتمبر 2025، مسجلة أفضل ربع سنوي في تاريخها.
الأسباب تتجاوز المخاطر الجيوسياسية لتشمل التحوّط من التضخم وضعف الدولار، والطلب المتزايد من البنوك المركزية على الذهب كاحتياطي استراتيجي. ومع ارتفاع أسعار المستهلك وتراجع قيمة الدولار منذ 2022، أصبح الذهب أداة أساسية لحماية الثروة من تآكل القوة الشرائية.

تشير بيانات مورنينج ستار إلى أن الذهب تفوق على مؤشرات الأسهم الأمريكية خلال فترات التضخم المرتفع بين 2021 و2024، محققًا متوسط عائد سنوي يقارب 9% مقابل نحو 5% لمؤشر S&P 500.
كما كثّفت البنوك المركزية مشترياتها بشكل غير مسبوق، حيث تجاوزت مشتريات عام 2024 نحو 1100 طن، مع تصدر الصين وتركيا والهند قائمة المشترين، في سعي لتقليل الاعتماد على الدولار.
أما صناديق الذهب المتداولة، فقد وسعت استراتيجياتها لتشمل الاستثمار في شركات تعدين الذهب، حيث سجل صندوق VanEck Gold Miners ETF عائدًا سنويًا قدره 13.8% في 2024، مدعومًا بارتفاع أسعار الذهب وأسهم شركات التعدين.
مع استمرار الذهب في جذب المستثمرين خلال 2025، يبرز التساؤل حول استدامة هذا العصر الذهبي لصناديق الذهب. أحد العوامل المؤثرة الرئيسية هو استمرار الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة، ما يعزز الطلب على الأصول الحقيقية مثل الذهب.
لكن المنافسة من الأصول الرقمية مثل البيتكوين، وارتفاع تكاليف إدارة الصناديق، وتقلب الأسعار، قد تحد من معدل تدفقات المستثمرين الجدد إذا استقرت الأسواق التقليدية.
في المجمل، يبدو أن الذهب وصناديقه الاستثمارية يعيشون مرحلة ذهبية حقيقية، لكن استمرارها يعتمد على مسار السياسة النقدية العالمية، سرعة تعافي الاقتصاد، وقدرة المعدن على المنافسة أمام أصول جديدة تسعى لتصدر المشهد كملاذ آمن.




