الذكاء الاصطناعي يدخل سوق العمل…بداية تغيّر هادئ في التوظيف الأميركي

تواجه الولايات المتحدة حالياً مشهداً اقتصادياً متناقضاً. فبينما تستمر مؤشرات النمو في تسجيل أرقام قوية، أظهرت بيانات سوق العمل في أغسطس تباطؤاً واضحاً، مع إضافة 22 ألف وظيفة فقط، مقارنة بـ158 ألف وظيفة في أبريل.
هذا التباين يثير تساؤلات حول القوى المؤثرة على التوظيف في الوقت الراهن، لا سيما مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يطرح الذكاء الاصطناعي سؤالاً جوهرياً: هل يشكّل تهديداً مباشرًا لوظائف البشر أم أن أثره ما زال محدوداً؟ حتى الآن، لا تشير البيانات إلى حدوث موجة كبيرة من فقدان الوظائف.
فقد بقيت نسبة الوظائف المكتبية الأكثر عرضة للأتمتة مستقرة، فيما أظهرت دراسة لمختبر الميزانية في جامعة ييل أن طبيعة الوظائف لم تتغير بشكل ملحوظ منذ إطلاق ChatGPT في أواخر 2022.
مع ذلك، على صعيد الشركات، بدأت بعض المؤشرات الدقيقة تتضح. فقد تتبّع الباحثان سيد حسيني وجاي ليشتينغر من جامعة هارفارد الشركات التي وظفت “مُدمجي الذكاء الاصطناعي التوليدي” لتطبيق هذه التكنولوجيا ضمن عملياتها اليومية.
و من خلال تحليل نحو 200 مليون إعلان وظيفة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تم تحديد حوالي 130 ألف وظيفة في 10,600 شركة أُطلق عليها لقب “الشركات المتبنية للذكاء الاصطناعي”.
وقد قورنت هذه الشركات بمجموعة تضم 274 ألف شركة لم توظف مختصين في إدماج الذكاء الاصطناعي، لتشكيل “مجموعة مقارنة”.
وأظهرت النتائج أن الوظائف المبتدئة شهدت انخفاضاً بعد عام 2023، مع تسجيل تراجع أكبر بنسبة 7.7% في الشركات التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي، بينما لم تظهر الوظائف العليا أي فجوة مشابهة.
وتشير هذه البيانات إلى أن المهام الروتينية الذهنية، التي يؤديها حديثو التخرج مثل مراجعة المستندات وتصحيح الأخطاء البرمجية، أصبحت أكثر عرضة للأتمتة. ويعود هذا الانخفاض أساساً إلى تباطؤ التوظيف، لا إلى تسريح الموظفين.
وعند دراسة التأثير وفقاً لمستوى الجامعات، تبين أن خريجي الجامعات المتوسطة تعرضوا لضغوط أكبر مقارنة بخريجي الجامعات العليا أو الأقل رتبة.
ويعزو الباحثان ذلك إلى حرص الشركات على الاحتفاظ بالخريجين المتميزين لمهاراتهم المتقدمة، وبالخريجين الأقل كلفة، في حين تواجه الطبقة المتوسطة التعليمية منافسة أكبر من التكنولوجيا.
ومع ذلك، يحذر الباحثان من المبالغة في تفسير النتائج، خصوصاً أن 17% فقط من العاملين في العينة يعملون في شركات متبنية للذكاء الاصطناعي، ما يعني أن التأثير يظل محدوداً نسبياً.
كما شهد سوق الوظائف المبتدئة تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة جائحة كوفيد-19 والاضطرابات الاقتصادية المصاحبة لها.
في الختام، يبدو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يترك بصماته الأولى على سوق العمل الأميركي، بهدوء وعلى نحو محدود، خاصة في الوظائف الروتينية المتكررة التي يمكن للآلات تنفيذها بسرعة.
ومع استمرار التطور التكنولوجي بوتيرة متسارعة، يبقى السؤال مطروحاً: إلى أي مدى ستتقدم هذه التكنولوجيا في سلم الوظائف دون أن تزيح البشر عن مواقعهم؟




