الاقتصاديةالتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في التسويق: كيف تبدأ المؤسسات رحلتها نحو الريادة؟

يغزو الذكاء الاصطناعي عالم التسويق بقوة مدمره تشبه تسونامي، ليعيد تشكيله بالكامل ويحدث نقلة نوعية غير مسبوقة.

من خلال قدرته على تحديد شرائح العملاء بدقة متناهية، إلى ابتكار محتوى إبداعي يجذب المستهلكين عبر مختلف المنصات، يعد الذكاء الاصطناعي برفع إنتاجية فرق التسويق إلى مستويات لم تكن متوقعة من قبل.

لكن وسط هذا الزخم الهائل، تجد العديد من المؤسسات نفسها في حيرة، لا تعرف من أين تبدأ رحلتها في تبني هذه التكنولوجيا. فالخطوة الأصعب ليست في اتخاذ قرار استخدام الذكاء الاصطناعي، بل في الجرأة على الانطلاق والبدء فعليًا.

وفي استطلاع حديث أجراه “فوربس إنسايتس” شمل 500 من كبار قادة الأعمال حول العالم، برزت فجوة كبيرة بين الطموحات الواعدة وتطبيقات الواقع على الأرض.

Artificial Intelligence for Your Digital Strategy | Nivelics

ردًا على هذا التحدي، يقدم خبراء من شركات التكنولوجيا الرائدة مثل “أدوبي” و”مايكروسوفت” خارطة طريق استراتيجية من خمس خطوات، تهدف إلى إرشاد المؤسسات لاستغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي الكامنة، وتجاوز العقبات التقنية والبشرية، لتثبيت أقدامها بثقة في طريق الريادة السوقية.

5 خطوات لتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة التسويق

1- ثورة ثقافية أولًا: ركّز على الإنسان قبل التكنولوجيا

– إن تبني الذكاء الاصطناعي ليس مجرد إضافة أداة جديدة إلى ترسانة الشركة، بل هو تحول ثقافي عميق وجذري.

– وفي هذا الصدد، تؤكد إيميلي ماك رينولدز، رئيسة استراتيجية الذكاء الاصطناعي العالمية في “أدوبي”، أن حجر الزاوية هو طمأنة الفِرَق وتبديد المخاوف التي تكتنف مستقبلهم الوظيفي.

– وهنا، يجب تقديم هذه التقنية كثورة “لإعادة ابتكار أساليب العمل”، وتحرير الطاقات البشرية من أغلال المهام المتكررة والمُستهلِكة للوقت، ليتفرغ الموظفون للمبادرات الاستراتيجية ذات القيمة العليا، مثل صياغة هوية العلامة التجارية أو استكشاف أسواق جديدة.

– وتؤكد الأرقام هذا التوجه، حيث إن 53% من الشركات تعمل حاليًا على ترسيخ ثقافة الابتكار لدعم فِرَق التسويق في احتضان التقنيات الجديدة.

– من جهته، يوصي نيتين آجاروال، المدير الأول للذكاء الاصطناعي التوليدي في “مايكروسوفت”، بتبني “عقلية الشركات الناشئة” التي تتسم بالجرأة على تحدي الإجراءات القائمة وتحسينها باستمرار، بدلًا من التمسك الأعمى بالأساليب التقليدية.

– ولضمان أن تكون هذه التجربة مسؤولة، لا بد من وضع مبادئ توجيهية صارمة وتشكيل فِرَق حوكمة قوية لإدارة المخاطر بفعّالية.

2- بوصلة أخلاقية: استثمر بذكاء وحكمة

– إن الانجراف وراء بريق الحلول التقنية دون بوصلة أخلاقية هو وصفة حتمية للفشل.

– ومن ثمَّ، يجب أن تتناغم أدوات الذكاء الاصطناعي مع السياسات الأخلاقية للشركة وتفي بمتطلباتها التشغيلية والقانونية.

– ففي ظل تشريعات صارمة مثل “اللائحة العامة لحماية البيانات” في أوروبا، أصبحت الشفافية وإخطار المستخدمين بكيفية استخدام بياناتهم ضرورة لا غنى عنها.

– وتعكس الإحصائيات هذا الوعي المتنامي، إذ إن 55% من قادة الشركات قد طبقوا بالفعل -أو يخططون لتطبيق- أنظمة ذكاء اصطناعي أخلاقية وشفافة.

– وهنا، تشدّد إيميلي رينولدز على أهمية فحص الموردين بعناية فائقة، وطلب دراسات حالة واقعية، والتأكد من أن مخرجات أنظمتهم تتسم بالموثوقية والدقة.

– فالشفافية والقدرة على تتبع القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي ليستا ترفًا، بل هما حجر الأساس لبناء جسور الثقة مع العملاء.

3- التركيز الاستراتيجي

– يبدو السماح للموظفين بالتجربة الحرة نهجًا تقدميًا، ولكنه قد يتحول إلى فوضى عارمة تؤدي إلى تشتيت الجهود وإهدار الموارد.

– بدلًا من ذلك، يتوجب على القادة تحديد عدد قليل من “حالات الاستخدام” ذات الأثر الأعمق – مثل تحسين مسارات المبيعات أو تخصيص تجربة خدمة العملاء – وتركيز الجهود والطاقات عليها.

– لكن يكشف الواقع عن تحدٍ كبير، إذ لم تنجح سوى 27% فقط من الشركات في تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي وتحسينها فعليًا.

– وهنا، تطرح إيميلي رينولدز سؤالًا جوهريًا يجب على كل قائد أن يطرحه على نفسه: “أين يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق قيمة حقيقية تتجاوز مجرد زيادة الإنتاجية؟”

– فالمشاريع التجريبية المركزة تساهم في كسر “شلل اتخاذ القرار” وتسمح بتقييم فعّالية الحلول بسرعة ودقة قبل تعميمها على نطاق أوسع.

4- صقل المهارات: سَلِّح فِرَقك لا تُدرِّبها فحسب

– تقول إيميلي رينولدز إن الغريزة الأولية لدى الكثيرين هي إطلاق برامج تدريبية ضخمة وعامة، وهذا خطأ شائع.

– فالارتقاء بالمهارات يجب أن يُصمَّم خصيصًا ليتناسب مع متطلبات كل دور وظيفي وكل قسم.

– إذ إن ما يحتاجه فريق التسويق يختلف كليًا عما يحتاجه فريق الخدمات اللوجستية.

– ولعل المهارة الأكثر إلحاحًا اليوم، والتي يعتبرها 60% من القادة حجر الزاوية للمسوقين، هي الأتمتة وإدارة سير العمل.

– ويوصي الخبراء بتعيين “سفراء للذكاء الاصطناعي” داخل الفِرَق؛ وهم موظفون شغوفون بالتكنولوجيا يصبحون محرك التغيير الداخلي، فيساعدون زملاءهم ويجيبون عن استفساراتهم اليومية، مما يسرّع وتيرة التبني بشكل هائل.

– ويضيف آجاروال أن التعلم من خلال التجربة يتفوق دائمًا على النظريات.

– لذا، يُنصح بالبحث عن قصص النجاح الأوليّة وتحويلها إلى دراسات حالة تُلهم المؤسسة بأكملها.

5- البيانات هي النفط الجديد

– لا يمكن لأي نظام ذكاء اصطناعي، مهما بلغت عبقريته، أن يعمل ببيانات هزيلة أو متفرقة.

– والشاهد هنا أن “صوامع البيانات” – تلك الجزر المنعزلة التي تحبس كنوز المعلومات – هي العقبة الكؤود التي تمنع 60% من الشركات من تقديم تجارب عملاء شخصية حقيقية.

– والحقيقة الأكثر إثارة للقلق هي أن 25% فقط من الشركات لديها القدرة على توحيد بيانات العملاء من مصادرها المختلفة.

– ويكمن الحل في منصات البيانات الموحدة التي تدمج كافة المصادر في بوتقة واحدة، وتُمكِّن حتى غير المتخصصين، مثل المسوقين، من استخلاص رؤى عميقة باستخدام لغتهم الطبيعية.

– فبدلًا من انتظار أيام للحصول على تقرير من قسم البيانات، يمكن للمسوق الآن أن يسأل ببساطة: “أنشئ لي شريحة للعملاء الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عامًا، وأخبرني ما هي الحملات الإعلانية الأكثر نجاحًا معهم؟”

– يضع هذا التحول الجذري، كما تقول إيميلي رينولدز، قوة البيانات في أيدي من يحتاجونها لاتخاذ قرارات فورية وذكية، ويحوّلهم من مجرد منفذين إلى صنّاع قرار استراتيجيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى