الاقتصاديةالتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي لا ينتزع إنسانيتنا… بل يعززها: عصر جديد يقوده الذكاء العاطفي

في الوقت الذي يثير فيه صعود الذكاء الاصطناعي مخاوف من أن يحوّل أماكن العمل إلى بيئات خالية من المشاعر والإنسانية، تظهر رؤية مغايرة تمامًا: ربما يكون الذكاء الاصطناعي هو المحفّز الأكبر لعودة البُعد الإنساني إلى قلب المؤسسات.

فبينما تتولى الآلات أداء المهام المتكررة والروتينية، يبرز ما هو أكثر أهمية في نجاح الفرق والشركات: الذكاء العاطفي، أي تلك القدرات الإنسانية الأصيلة مثل التعاطف، والوعي الذاتي، والتواصل الفعّال، والإحساس بالآخرين.

وتؤكد الباحثة فانيسا أورش دراسكات، مؤلفة كتاب «الفريق الذكي عاطفيًا»، أن الذكاء العاطفي الجماعي لا يُقاس بقدرات الأفراد فقط، بل ينبع من عادات الفريق المشتركة التي تلبي احتياجاته الاجتماعية الأساسية، مثل الإحساس بالقبول والتقدير، والانخراط في النقاشات البنّاءة، والشعور بالانتماء والتأثير في القرارات.

3 استراتيجيات مبتكرة لتسخير الذكاء الاصطناعي لصالح فريق العمل

1- من البداية: توظيف قائم على الذكاء العاطفي باستخدام الذكاء الاصطناعي

– إن بناء فريق عمل يتمتع بذكاء عاطفي عالٍ يبدأ من اللحظة الأولى: عملية التوظيف.

– ولى زمن النهج المتسرع الذي يركز على المهارات التقنية في السيّر الذاتية ويتجاهل الجانب الإنساني.

– ذلك أن قرارات التوظيف المدروسة هي استثمار طويل الأمد في ثقافة الشركة.

– وهنا، تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي حلًا ثوريًا؛ فهي تتيح إجراء عملية توظيف عميقة وفعالة في آنٍ واحد، حيث تشير الأبحاث إلى قدرتها على تسريع وتيرة التوظيف بنسبة تصل إلى 30%.

– فبدلاً من النماذج التقليدية، يمكن لـ “وكلاء المحادثة” إجراء حوارات تفاعلية مع المرشحين، بينما يقوم “وكلاء التقييم” بتحليل ردودهم لقياس مهارات التواصل والتعاطف من خلال سيناريوهات تحاكي الواقع.

– بل إن أدوات مثل “HireVue” تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تحلل نبرة الصوت وتعبيرات الوجه لتقييم الذكاء العاطفي.

– هذه الأدوات ليست بديلاً عن الحكم البشري، بل بمثابة “مساعدون افتراضيون” يزودوننا برؤى أعمق، مما يسمح لنا بالنظر إلى ما وراء السطور لتوظيف أفراد لا يمتلكون المهارات فحسب، بل يمتلكون القدرة على الانسجام والتعاون، مما يقلل النزاعات المستقبلية ويعزز تماسك الفريق.

2- نبض الفريق: الذكاء الاصطناعي لمراقبة معنويات الموظفين

– تعتبر استطلاعات الرأي وسيلة جيدة لقياس معنويات الموظفين، لكن يبقى تأثيرها محدودًا لأنها تعتمد على ما يصرح به الأفراد، الذين قد يترددون في مشاركة أية ملاحظات سلبية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليملأ هذه الفجوة.

– يقدم تحليل المشاعر في منصات التواصل الداخلي مثل “Slack” صورة أكثر دقة لروح الفريق.

– فهو قادر على رصد الأنماط السلبية، كأن يقوم شخص ما بتثبيط أفكار زملائه باستمرار، مما يؤدي إلى تراجع المشاركة.

– ويمكن لهذه الأدوات أن تنبه القادة إلى وجود توتر أو بوادر إرهاق قبل أن تتحول إلى مشكلات كبرى.

– وبالمثل، فإن بعض ملخصات الاجتماعات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لم تعد تكتفي بتدوين النقاط، بل تقدم تحليلاً لنبرة الحوار، وتوضح ما إذا كان إيجابيًا أم سلبيًا، وتتبع وقت تحدث كل مشارك.

– الشفافية هي حجر الزاوية هنا؛ لذا يجب أن يعلم الموظفون أن الهدف هو الدعم لا المراقبة.

– تصبح هذه الأدوات، عند استخدامها بشكل أخلاقي، نظام إنذار مبكر يسمح للقادة بمعالجة المشكلات قبل تفاقمها.

3- تحرير الإنسان من الآلة: أتمتة المهام الروتينية لتعزيز الترابط الإنساني

– يعتقد البعض أن دمج الذكاء الاصطناعي يهدف فقط إلى خفض التكاليف وتقليص عدد الموظفين، لكن الحقيقة قد تكون عكس ذلك تمامًا.

– فكلما أوكلنا المهام الروتينية والمملة للآلات، تفرغنا نحن البشر للقيام بما لا تستطيعه الآلات: بناء العلاقات الإنسانية.

– عندما يتم تحرير الفرق من عبء المهام المتكررة مثل جدولة الاجتماعات، أو تدوين الملاحظات، أو إعداد المسودات الأولية، يصبح لديهم وقتٌ ثمينٌ يمكن استثماره في مهام أكثر قيمة: جلسات العصف الذهني الإبداعية، أو اللقاءات الفردية لتقييم الأداء، أو حتى مجرد تناول وجبة غداء جماعية لتعزيز الروابط الإنسانية.

– إن الأتمتة هنا ليست استغناءً عن الإنسان، بل هي استثمار استراتيجي في “رأس المال البشري”.

– إنها تتيح لنا الوقت للتركيز على التعاطف، وبناء الثقة، وقياس سلامة زملائنا النفسية.

وفي هذا السياق، يتحول الذكاء العاطفي من مهارة شخصية إلى قوة جماعية تشكّل “روح الفريق” وتحدد مصير المشاريع في بيئات العمل الحديثة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي بقوة إلى المشهد، تتاح للقادة فرص جديدة لبناء ثقافة عمل أكثر إنسانية وتعاونًا، حيث تصبح التقنية شريكًا في تعزيز الروابط البشرية لا بديلاً عنها.

لقد بات من الواضح أن المستقبل المهني لن يكون لمن يمتلك المهارات التقنية فحسب، بل لمن يجمع بين ذكاء الآلة ودفء المشاعر الإنسانية. فالشركات التي ستقود المرحلة القادمة هي تلك التي تدرك أن القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على مضاعفة الذكاء العاطفي لدى البشر، لا في استبداله بهم.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى