الاقتصادية

الذكاء الاصطناعي في إفريقيا.. بين وعد المعرفة وتحديات الواقع

في عصر تتسارع فيه الابتكارات الرقمية، يجد الشاب الأوغندي إلي نطوندي نفسه أمام فرصة غير مسبوقة. في قرية بودوندو، حيث الطرق غير معبّدة والكهرباء والمياه شبه معدومة، لم يعد تحصيل المعرفة حكراً على الكتب المدرسية أو المعلمين المحليين.

باقة بيانات صغيرة على هاتفه المحمول كانت كافية ليصل إلى شات جي بي تي (ChatGPT)، والحصول على شرح واضح لتفاعلات الكيمياء المعقدة خلال ثوانٍ.

تجربة نطوندي تجسد الدور التحويلي للذكاء الاصطناعي في العالم النامي. ففي أقل من ثلاث سنوات منذ إطلاقه، يستخدم شات جي بي تي أكثر من 800 مليون شخص أسبوعيًا حول العالم، مع تركيز كبير في الهند والبرازيل، ويعكس ذلك اعتماد الدول الأقل نمواً على هذه التقنيات باعتبارها وسيلة لتقليص فجوات المعرفة.

في نيروبي، ساعد التعاون بين شركة OpenAI وعيادات “بندا هيلث” على خفض الأخطاء الطبية بشكل ملحوظ، بينما حسّن برنامج تعليمي في نيجيريا باستخدام Microsoft Copilot مهارات اللغة الإنجليزية لدى الطلاب بما يعادل عامين دراسيين إضافيين خلال ستة أسابيع.

إمكانية وصول الذكاء الاصطناعي إلى كل بيت في إفريقيا تشبه رحلة الهواتف المحمولة قبل عقدين، لكن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات: ضعف الإنترنت، نقص المهارات الرقمية، وضعف البنية المؤسسية.

على الرغم من انتشار الهواتف المحمولة، لا يتجاوز معدل اتصال الإنترنت في الدول الفقيرة 25% مقارنة بـ90% في الدول الغنية.

ومع ارتفاع تكلفة البيانات، يظل الإنترنت حاجزًا أمام الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي، رغم أن استهلاك البيانات في شات جي بي تي أقل بكثير من تصفح صفحات البحث التقليدية.

يقدر البنك الدولي أن 70% من الأطفال في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لا يستطيعون قراءة نصوص بسيطة، ما يجعل الاستفادة من الذكاء الاصطناعي تحديًا حقيقيًا.

الدراسات في كينيا أظهرت أن رواد الأعمال الأكثر خبرة زادت أرباحهم عند استخدام المساعد الذكي، بينما تكبد الأقل خبرة خسائر نتيجة الاعتماد على نصائح عامة. وفي بودوندو، يستخدم نصف الشباب هذه التقنية لأغراض ترفيهية أكثر من التعليم.

و تمثل اللغة حاجزًا إضافيًا، إذ أن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي مهيأة للغات الكبرى كالإنجليزية، فيما تُهمل اللغات الإفريقية المحلية. لكن هناك مبادرات واعدة مثل Masakhane وGhana NLP وKencorpus، التي تبني قواعد بيانات مفتوحة وتطوير أدوات صوتية للتفاعل باللهجات المحلية.

التحدي الأكبر ليس التقنية، بل كيفية دمجها ضمن مؤسسات قادرة على تحويل المعرفة إلى أثر ملموس. تجربة المساقات التعليمية المفتوحة بينت أن العمل بمعزل عن المدارس لا يحقق نتائج ملموسة، وهو نفس الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي.

يشدد الاقتصاديون على أن النمو الشامل الذي يزيد إنتاجية العمال هو ما يحول المعرفة إلى ثروة. فحتى الابتكارات الكبرى مثل الحواسيب والإنترنت وصلت بسرعة إلى الدول الفقيرة، لكن استخدامها ظل سطحيًا.

واليوم، تبني الذكاء الاصطناعي في الإنتاجية العملية محدود حتى في الدول المتقدمة، إذ تستخدم واحدة من كل عشر شركات أمريكية هذه التقنية فعليًا.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لتقليص فجوات المعرفة، لكنه لن يصنع المعجزة بمفرده. لتحقيق العدالة الاقتصادية، يحتاج الأمر إلى تعليم شامل، مؤسسات قوية، وبنية رقمية متاحة للجميع، وإلا سيبقى وعده مجرد حلم مؤجل في عالم لم تتساوَ فيه الفرص بعد.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى