الذكاء الاصطناعي…صراع صيني-أمريكي على مستقبل التكنولوجيا

في الوقت الذي تنهمك فيه شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل OpenAI وميتا في صراع شرس ومكلف لإنتاج أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة، تخوض الصين معركة مختلفة تمامًا قد تحدد مستقبل هذه التكنولوجيا.
و على عكس النهج الأمريكي القائم على الربحية والسيطرة، تتبنى الشركات الصينية استراتيجية “الانتشار كالنار في الهشيم” من خلال طرح نماذج مفتوحة المصدر (أو بالأحرى “مفتوحة الأوزان”)، وهو نهج يراه البعض تهديدًا حقيقيًا للهيمنة الغربية.
بينما تعتبر نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة (Closed-source) مثل GPT-5 أطباقًا جاهزة ومغلقة الأسرار، تقدم الصين للعالم “كتاب وصفات سري” عبر نماذجها مفتوحة الأوزان (open-weight models).
هذه النماذج، التي توفر المعلمات الرقمية لتدريب الذكاء الاصطناعي، تتيح للباحثين والشركات تعديلها وتكييفها بسهولة لتلبية احتياجاتهم الخاصة.
وقد أحدثت هذه الاستراتيجية الصينية صدمة في الأسواق العالمية، حيث أصدرت شركة DeepSeek نموذجًا متقدمًا مجانيًا بميزانية متواضعة، تلتها نماذج أخرى من عمالقة مثل علي بابا.
واليوم، لم يعد غريبًا أن تعتمد الشركات الناشئة في وادي السيليكون على نماذج صينية مفتوحة المصدر. ويؤكد مارتن كاسادو، الشريك في شركة الاستثمار الشهيرة أندريسن هورويتز، أن هناك فرصة تصل إلى 80% أن تكون الشركات الناشئة التي يقابلونها تستخدم نموذجًا صينيًا.
يُظهر رد الفعل الأمريكي على هذا المدّ الصيني حالة من التردد والارتباك. فشركة OpenAI، التي كانت رائدة في النهج المفتوح، تحولت إلى النماذج الاحتكارية سعيًا للربح والسيطرة.
ومع ذلك، أجبرها الضغط التنافسي على إعادة النظر في استراتيجيتها، فأطلقت نموذجها المفتوح الأول منذ سنوات، gpt-oss، والذي جاء بحجم صغير وقدرات محدودة مقارنة بنموذجها المغلق المنتظر GPT-5، الذي جاءت قدراته مخيبة للآمال.
هذا التوقيت، وفقًا لخبراء مثل علي فرهادي من معهد ألين للذكاء الاصطناعي، يظهر أن الشركات الأمريكية لا تزال تحتفظ بأفضل نماذجها لنفسها. حتى ميتا، التي اشتهرت بنموذجها المفتوح Llama، أعربت عن نيتها أن تكون أكثر حذرًا في مشاركة ابتكاراتها المستقبلية.
على الرغم من أن النماذج الأمريكية الاحتكارية تدر إيرادات ضخمة وتقييمات بمليارات الدولارات، إلا أن هذا لا يعكس الصورة الكاملة. فكما يوضح الخبراء، تركز الولايات المتحدة على استراتيجية “الفوز بالضربة القاضية” عبر تطوير “سلاح خارق” واحد والتحكم به.
على النقيض من ذلك، تتبنى الصين استراتيجية “الانتشار كالنار في الهشيم”. الهدف ليس تحقيق الربح المباشر، بل أن تصبح نماذجها هي البنية التحتية الافتراضية للنظام البيئي العالمي للذكاء الاصطناعي.
هذا النهج يمنح الصين ميزة فريدة، حيث يمكن للحكومات والشركات والباحثين تبني نماذجها وتكييفها بسهولة، مما يضمن انتشارها وتغلغلها في كل مكان.
وفي نهاية المطاف، قد لا يكون الفائز في حرب الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك النموذج الأكثر ذكاءً، بل من يمتلك النموذج الأكثر انتشارًا. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستمر الولايات المتحدة في التركيز على استراتيجيتها القائمة على الربح والسيطرة، أم ستعيد النظر في نهجها لمواجهة هذا المد الصيني المتنامي؟