الاحتيال البيئي في قطاع السيارات..أزمة التلوث بين الغش الصناعي وتلاعب السائقين

تشكل قضية التلوث الناتج عن السيارات أحد أكبر التحديات البيئية في عصرنا الحالي، خاصة مع استمرار بعض الممارسات التي تعرقل جهود الحد من الانبعاثات الضارة.
إذ لا يقتصر الأمر على الشركات المصنعة التي تلجأ إلى غش البرمجيات للالتفاف على المعايير البيئية، بل يتعداه إلى سلوكيات بعض السائقين التي تزيد من تفاقم المشكلة بشكل كبير.
في عدد من دول العالم، تتكشف كل فترة فضائح تثبت حجم الاحتيال في قطاع السيارات:
في إسبانيا، كشفت دراسة حديثة أن حوالي نصف شاحنات الديزل على الطرقات تخضع لتلاعب بأنظمتها البيئية.
فضيحة “ديزل-جيت” التي هزّت الاتحاد الأوروبي عام 2015، والتي تورطت فيها شركة فولكس فاجن، لم تكن مجرد مخالفة تجارية، بل تسببت في أضرار صحية واقتصادية تجاوزت 60 مليار دولار أسترالي.
في كاليفورنيا، تُعزى 70% من انبعاثات الجسيمات الدقيقة لأسطول الشاحنات إلى نسبة صغيرة من المركبات التي تعاني أعطالاً في فلتر الجسيمات.
هذه الممارسات تستند إلى استغلال ثغرات في نظام اختبار الانبعاثات، حيث يتم تركيب أجهزة ذكية تعرف بــ”أجهزة الإخماد” (Defeat Devices) داخل برمجيات السيارة، تكشف وقت الاختبار وتقوم بتقليل الانبعاثات مؤقتًا لإجتياز الفحص، ثم تعود السيارة على الطريق إلى مستويات تلوث مفرطة تفوق الحدود القانونية.
ترتكز هذه الظاهرة بشكل خاص في سيارات الديزل التي تتطلب أنظمة متقدمة ومعقدة للحد من الانبعاثات، ما يجعل تكلفة تركيب الأنظمة البيئية فيها أعلى بكثير من سيارات البنزين.
فعلى سبيل المثال، قد تصل تكلفة نظام التحكم في الانبعاثات بسيارة الديزل إلى خمسة أضعاف تكلفة نظيره في سيارة البنزين، ما يشكل حافزًا للشركات للالتفاف على القوانين بهدف تخفيض التكاليف.
فضيحة “ديزل-جيت” كلفت فولكس فاجن غرامات وتعويضات تجاوزت 50 مليار دولار، ومع ذلك يبدو أن الدروس لم تؤد إلى تغير جذري في الممارسات.
لا يقتصر الأمر على الشركات فقط، بل يشكل سلوك بعض السائقين تحديًا إضافيًا، خاصة سائقي الشاحنات الذين يقومون بتعديل أو تعطيل أنظمة تقليل الانبعاثات مثل نظام “أدبلو” (AdBlue) المستخدم لتقليل أكاسيد النيتروجين.
هذا التلاعب قد يكون بدوافع لتحسين أداء المحرك، أو للتهرب من تكاليف الصيانة، أو ببساطة احتجاجًا على القوانين البيئية.
نتيجة لذلك، لا تتسبب هذه التعديلات في زيادة التلوث فحسب، بل تخلق أيضًا ظروف منافسة غير عادلة بين المشغلين، وتضع صحة المجتمع في خطر.
و رغم توسع استخدام السيارات الكهربائية، إلا أن الجزء الأكبر من أسطول السيارات العالمية لا يزال يعتمد على الوقود الأحفوري، ومن المتوقع استمرار استخدام هذه السيارات حتى منتصف القرن الحالي، مع تصدير الكثير منها إلى الدول النامية التي ستواجه تبعات بيئية خطيرة.
لذا، هناك حاجة ماسة إلى خطوات عملية وعاجلة، من بينها:
إجراء اختبارات ميدانية مستقلة تقيس الانبعاثات أثناء القيادة الفعلية بدلاً من الاعتماد فقط على الاختبارات المعملية التي يمكن التلاعب بها.
تطبيق قوانين صارمة مع عقوبات رادعة على كل من الشركات المصنعة والأفراد الذين يخرقون المعايير البيئية.
وضع بروتوكول دولي موحد للاختبارات للكشف المبكر عن أجهزة الغش والاحتيال.
تبني تكنولوجيا المراقبة الذاتية التي تتيح للسيارات إرسال تقارير فورية عن أي خلل في أنظمة الانبعاثات إلى المالك والسلطات المختصة.
إن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب تعاونًا دوليًا وجادًا، حيث لا يمكن لحدود الدول أن تقف حاجزًا أمام تداعيات التلوث البيئي الذي يهدد صحة الأجيال القادمة.