ارتفاع الذهب والأسهم الأمريكية معًا…ظاهرة نادرة تفتح باب التساؤلات للمستثمرين

في مشهد استثنائي يثير اهتمام المستثمرين حول العالم، يواصل الذهب تحقيق مكاسب قياسية هذا العام، متجاوزًا التوقعات التقليدية، بينما تصعد الأسهم الأمريكية في الوقت نفسه إلى مستويات تاريخية، ما يعكس حالة فريدة من التوازن بين الملاذات الآمنة وأصول المخاطرة.
تعد هذه الظاهرة نادرة جدًا، إذ ارتفعت أسعار الذهب بنحو 44% منذ بداية العام، متفوقة بشكل ملحوظ على مؤشر “إس أند بي 500” الذي سجل ارتفاعًا بنسبة 14% بعد تعافيه من موجة البيع المكثف الناتجة عن إعلان التعريفات الجمركية في عهد ترامب.
وقد شهد هذا العام وصول الذهب والمؤشر إلى مستويات قياسية جديدة عدة مرات، في حين لم يتكرر هذا التزامن إلا مرتين منذ عام 1970.
عادةً يرتفع الذهب في أوقات القلق الاقتصادي، بينما يشير صعود الأسهم لمستويات قياسية إلى تفاؤل المستثمرين واستعدادهم لتحمل المخاطر.
لذلك، فإن الصعود المتزامن للذهب والأسهم يمثل نمطًا استثنائيًا وغير مألوف في الأسواق المالية.
يساهم ضعف الدولار الأمريكي في دعم هذا السيناريو المزدوج، إذ انخفض مؤشر العملة الأمريكية نحو 10% هذا العام، ما جعل الذهب أكثر جاذبية وجعل الأسهم الأمريكية أرخص بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
ووفقًا لبريت فريدمان من “أوبشن متريكس”، فإن صعود الذهب منذ منتصف 2023 يعكس رغبة المستثمرين في التحوط ضد المخاطر، لكنه لا يشير إلى وجود فقاعة مالية في المعدن النفيس.
تفسيرات محتملة للارتباط الإيجابي المتزامن النادر بين الذهب والأسهم الأمريكية |
||
المحلل/الجهة |
|
التوضيح |
“آدم كوس” الرئيس والمستشار المالي لدى مجموعة “ليبرتاس” Libertas لإدارة الثروات |
|
شبه الأمر بمشاهدة شخص يتناول السلطة والحلوى في آن واحد، مشيرًا إلى أن الوضع ليس طبيعي تمامًا، وعادة يحدث ذلك في ظل ظروف محددة تعكس مزيجًا من التفاؤل والقلق في الأسواق. وأضاف أن “إس أند بي 500” والذهب تربطهما تقليديًا علاقة عكسية إلى حد ما، وبالتالي عندما يرتفعان معًا فإن ذلك في الغالب يشير إلى تيار خفي أعمق مثل الخوف من التضخم أو ضعف الدولار.
|
“هنري ألين” من “دويتشه بنك” |
|
أوضح في مذكرة للعملاء أن المستثمرين متفائلون بشأن الأسهم، لكنهم في الوقت نفسه متخوفون من وجود مخاطر هبوطية كبيرة. |
“كيث وينر” المدير التنفيذي لشركة “مونتري ميتالز” Monetary Meatls |
|
أوضح أن سوق الأسهم تستجيب عادة لعوامل تتعلق بالنمو مثل الأرباح والفائدة، بينما تتحرك أسعار الذهب صعودًا مع عوامل ترتبط بالخوف مثل توقعات التضخم أو مستويات الديون، ويبدو أننا في الوقت الحالي في فترة تشهد فيها المجموعتان من العوامل ارتفاعًا ملحوظًا. |
ماركو بابيك” كبير الاستراتيجيين لدى شركة الأبحاث “بي سي إيه” BCA Research |
|
يؤيد أن انخفاض قيمة الدولار هو المحرك الرئيسي لتألق الذهب والأسهم في آن واحد، موضحًا أن التعريفات والتوترات التجارية أجبرت مناطق أخرى على تحفيز اقتصاداتها بدلاً من الاعتماد على الطلب الأمريكي. ووصف “بايك” نهاية الهيمنة المالية للولايات المتحدة بأنها بمثابة نقطة تحول، قائلاً حسبما نقلت “فوربس”: العملات تتقلب صعودًا وهبوطًا، والخطأ الأكبر هو الاعتقاد بأن الأصول الأمريكية ستحقق أداءً أفضل دائمًا، إنه أمر مستحيل.
|
“بيتر كوري” المؤسس المشارك لدى “بايف فاينانس” Pave Finance |
|
يرى نفس الديناميكية، وأوضح أن التضخم في تراجع منذ عام 2022 ما دعم أرباح الشركات ودفع أسعار الأسهم للارتفاع. في حين دعم ضعف الدولار جاذبية الذهب. |
يوضح فريدمان أن سوق الذهب الحالي لا يظهر تقلبات حادة تُعد مؤشرًا على الفقاعات المالية الحقيقية، كما أن عقود الخيارات الحالية لا تشير إلى أي فقاعة، ما يعني أن الذهب يمر بسوق صاعدة نشطة ومستقرة نسبيًا.
يشير أدريان آش، مدير الأبحاث في “بوليون فولت”، إلى أن الانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وتوترات الناتو مع روسيا، وانخفاض أسعار الفائدة، كلها عوامل تزيد من جاذبية الذهب والفضة كملاذات آمنة.
كما أن ضعف التعاون الدولي وانعدام الثقة على المستوى العالمي يعزز دور المعدن الأصفر في محافظ المستثمرين.
يشهد الذهب سوقًا صاعدة قوية مدفوعة بالقلق الاقتصادي والسياسي، بينما تصعد الأسهم الأمريكية في ظاهرة استثنائية غير معتادة.
ورغم ذلك، يظل مسار الأسواق مرتبطًا بمدى قوة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على مواجهة التحديات المقبلة، ما يجعل متابعة تحركات الذهب والأسهم أمرًا بالغ الأهمية في الفترة القادمة.