إلتون مايو: رائد حركة العلاقات الإنسانية في بيئة العمل
يُعتبر “إلتون مايو” أحد الأسماء اللامعة في علم النفس التنظيمي والإدارة السلوكية، ويُلقب بـ “أبي الإدارة السلوكية”.
وقد أسهم بشكل كبير في تطوير الدراسات التي تركز على العلاقات الإنسانية في بيئة العمل، حيث كانت دراساته الرائدة حجر الزاوية للعديد من المفاهيم الإدارية الحديثة.
من أبرز أعماله كانت دراسات مصنع الغزل في فيلادلفيا وتجارب هوثورن التي أجراها في عشرينيات القرن العشرين، والتي ساهمت في تشكيل الثقافة المؤسسية في الولايات المتحدة وأثرت بشكل عميق على طريقة التعامل مع العاملين في المؤسسات.
إلتون مايو شدّد على مبدأ أساسي في الإدارة يتمثل في أن العاملين لا تحركهم الحوافز المالية فحسب، بل إن الدوافع الاجتماعية والعلاقات الإنسانية تلعب دورًا محوريًا في تحفيزهم وزيادة إنتاجيتهم.
هذه الرؤية أسهمت في تطور النظريات المتعلقة بإدارة القوى العاملة، حيث أكد على ضرورة أن يرى المديرون الموظفين كأفراد لهم كرامتهم وقيمتهم، لا كأدوات إنتاجية قابلة للاستبدال.
لا يزال هذا الفكر مؤثرًا حتى يومنا هذا، ويُعاد اكتشافه في العديد من الشركات الكبرى مثل “جوجل” و”سيسكو”، حيث أثبتت بيئات العمل القائمة على تعزيز الروابط الإنسانية تفوقها على الهياكل الهرمية الصارمة التي كانت سائدة في الشركات التقليدية.
أبرز دراسات مايو وتأثيرها
1. دراسة مصانع الغزل في فيلادلفيا: في عام 1923، استعانت مصانع الغزل في فيلادلفيا بـ “إلتون مايو” لدراسة أسباب ارتفاع معدل دوران العمالة في أحد أقسامها.
وقد أثبت أن تحسين ظروف العمل، مثل توفير فترات راحة منتظمة، أدت إلى زيادة معنويات العمال وانخفاض معدل التدوير إلى الحد الأدنى في غضون عام.
وهذه النتيجة أثبتت أن العاملين يقدّرون الجوانب الاجتماعية في عملهم أكثر من مجرد الأجور أو الظروف المادية.
2. تجارب هوثورن: في مصنع هوثورن التابع لشركة “ويسترن إلكتريك” في عام 1924، بدأ “إلتون مايو” مع زميله فريتز روثليسبيرجر في دراسة تأثير الإضاءة على إنتاجية العاملين.
ومع توسع التجارب لتشمل عوامل أخرى مثل فترات الراحة وساعات العمل، اكتشف أن إنتاجية العاملين تتأثر بشكل كبير بالعوامل الاجتماعية والنفسية، مثل تكوين فرق عمل متماسكة وأهمية العلاقات الإنسانية بين الموظفين.
و استخلص “إلتون مايو” مجموعة من المبادئ التي ما زالت تُطبّق في الإدارة الحديثة:
العوامل البشرية والاجتماعية: أكد أن مشكلات بيئة العمل لا تنبع من الظروف المادية فقط، بل هي مرتبطة بشكل وثيق بالعلاقات الإنسانية داخل المؤسسات.
دور القواعد والإجراءات: أظهرت دراساته أن تفاعل الموظفين مع مشرفيهم وزملائهم يمكن أن يكون له تأثير كبير على مواقفهم تجاه العمل. القواعد غير الرسمية يمكن أن تؤثر سلبًا على إنتاجية العاملين إذا لم يتم التعامل معها بشكل جيد.
تعزيز التواصل: أهمية تعزيز التواصل بين العاملين والمديرين للتفاعل مع القضايا الشخصية والاجتماعية التي قد تؤثر على الإنتاجية والروح المعنوية.
بينما يبدو أن بعض أفكار “إلتون مايو” قديمة نظرًا للتطورات التي شهدتها بيئات العمل الحديثة، إلا أن الأساسيات التي وضعها لا تزال قائمة.
فالتفاعلات الاجتماعية، ودور العلاقات الإنسانية في تحفيز الموظفين، لا يزال له تأثير كبير في معظم الشركات، خاصة تلك التي تعتمد بيئات عمل مرنة ومبنية على التعاون والتواصل الفعّال.
في الختام، يُعتبر “إلتون مايو” من الشخصيات التي غيرت معالم العمل الصناعي والإداري، ويساهم فكره في استمرار تحسين بيئات العمل حتى يومنا هذا، مما يجعلنا نُدرك أهمية الدور الذي يلعبه هذا المفكر في تطوير طريقة تعامل الشركات مع موظفيها وتحقيق أقصى درجات الإنتاجية.