إعادة شراء الأسهم.. بين تعظيم قيمة المساهمين وتعزيز مكاسب الإدارات

في السنوات الأخيرة، تصاعدت وتيرة إعادة شراء الأسهم لتصبح إحدى أبرز السياسات التي تتبعها الشركات الكبرى عالميًا لإدارة فوائضها النقدية وتوجيه رسائل ثقة للأسواق.
هذه الممارسة التي بدأت في نطاق محدود تحولت اليوم إلى استراتيجية واسعة الانتشار، تتجاوز حدود القطاعات والدول، وتثير نقاشًا متزايدًا حول من يستفيد منها حقًا: المساهمون أم الإدارات التنفيذية؟
ففي سبتمبر الماضي، أعلنت مايكروسوفت عن برنامج ضخم لإعادة شراء أسهم بقيمة 60 مليار دولار، في خطوة عكست ثقتها في قوة أعمالها ونمو استثماراتها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
ولم تكن وحدها، إذ سارعت شركات أخرى على خطاها مثل جنرال موتورز التي أقرت خطة بـ6 مليارات دولار مطلع 2025 إلى جانب رفع توزيعات الأرباح، وتي-موبايل التي رصدت 14 مليار دولار حتى نهاية 2025.
أما في أوروبا، فقد عززت كل من يورونكس ومرسيدس-بنز وفريزينيوس ميديكال كير ثقة المستثمرين عبر برامج إعادة شراء بمليارات الدولارات.
وتقوم هذه العمليات على تقليص عدد الأسهم المتداولة، بما يرفع من ربحية السهم وقيمته السوقية. وغالبًا ما تُمول من فوائض نقدية أو عبر الاقتراض، في إشارة إلى متانة الوضع المالي أو اقتناع الإدارة بأن السهم أقل من قيمته العادلة.
لكن مع ما تحمله من مزايا، لا تخلو إعادة الشراء من انتقادات. إذ يرى خبراء أنها قد تتحول إلى وسيلة لتعظيم مكاسب التنفيذيين على حساب المستثمرين، خصوصًا حين ترتبط حوافز الإدارة بأداء السهم في السوق.
كما أن توجيه السيولة إلى هذه البرامج قد يُضعف الاستثمار في البحث والتطوير، أو يحد من فرص التوسع وخلق الوظائف.
وعلى المدى الطويل، تكشف التجارب أن الإفراط في الاعتماد على إعادة الشراء قد يقلص من مستويات الابتكار ويعزز فجوة العوائد بين كبار المساهمين وصغارهم.
ومع ذلك، تظل أداة فعالة إذا استُخدمت بميزان دقيق وبحوكمة قوية، حيث يمكن أن تعزز ثقة الأسواق وتوفر استقرارًا أكبر في فترات التقلب.
باختصار، تبقى إعادة شراء الأسهم سلاحًا ذا حدين: قد تسهم في بناء قيمة حقيقية للمساهمين إذا أُديرت بذكاء وشفافية، لكنها تتحول إلى عبء إذا جُعلت مجرد أداة لتعظيم المكاسب قصيرة الأجل أو خدمة مصالح ضيقة.