إصلاح التقاعد المغربي.. ملف يُدار بالغموض ويثير شكوك “صفقات تحت الطاولة “

في تحرك يسبق أي تفاهمات مع الشركاء الاجتماعيين، وتحديدًا قبل الجلوس إلى طاولة الحوار مع النقابات، أقدمت حكومة عزيز أخنوش على توجيه رسائل مباشرة إلى أوساط الأعمال (الباطرونا).
حملت هذه الرسائل في طياتها تطمينات واضحة بالتسريع الحثيث لملف إصلاح نظام التقاعد. هذه الخطوة الاستباقية، التي بدت وكأنها استبقت نتائج الحوار الاجتماعي، أثارت على الفور علامات استفهام وتخوفات جدية لدى الأوساط النقابية وعموم المهتمين بالشأن الاجتماعي.
و يخشى هؤلاء المراقبون من أن تكون الكواليس قد شهدت بالفعل بلورة اتفاقات مسبقة، لا ينتظر تفعيلها سوى ختم المركزيات النقابية التي اكتفت حتى الآن بعبارات عامة تؤكد تمسكها “بالمكتسبات”، دون الخوض في تفاصيل ملموسة حول رؤيتها للإصلاحات المرتقبة.
الضبابية التي تلف تصور الحكومة لإصلاح التقاعد تعزز الاعتقاد بأن المواطنين المغاربة سيتحملون مرة أخرى تبعات هذه “الإصلاحات” من خلال تمديد سنوات العمل أو المساس بمستحقاتهم، خاصة في ظل عدم محاسبة المسؤولين عن فضائح مالية سابقة.
فقد كشف تقرير للجنة تقصي الحقائق في عهد حكومة بنكيران عن اختفاء ملايير الدراهم المخصصة لمعاشات الموظفين، حيث وُجهت استثمارات ضخمة نحو مشاريع عقارية فاشلة، وشهد الصندوق خسائر كبيرة في عمليات بيع وشراء الأسهم، بالإضافة إلى سوء تدبير المحفظة المالية ومنح معاشات غير قانونية بمبالغ باهظة.
وقد أعاد الجدل الذي أعقب نشر هذا التقرير إلى الأذهان اتهامات جامع المعتصم، القيادي في حزب العدالة والتنمية، لبعض الزعماء النقابيين بالتواطؤ مع الدولة وتعميق أزمة التقاعد.
وأشار المعتصم إلى أن بعض النقابات التي تدعي عدم وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه صناديق التقاعد هي نفسها التي وقعت على وثائق تثبت عكس ذلك. كما اتهم جزءًا من النقابات المعارضة للإصلاح بـ “عدم القدرة على مواجهة الموظفين بالحقيقة”.
ويعزز المقربون من ملف التقاعد المخاوف من وجود “صفقة تحت الطاولة” يتم فيها التضحية بمصالح ملايين الأجراء والموظفين، نظرًا للمسار الغامض الذي اتسم به هذا الملف على مر السنوات.
وكان المعتصم قد حمل مسؤولية تعثر إصلاح صندوق التقاعد والتلاعب به وتفاقم الأزمة إلى الوزير الأول الأسبق عباس الفاسي ووزراء سابقين من حزب الاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى بعض النقابات.
وكشف أن حكومة إدريس جطو عرضت على النقابات صفقة تقضي بوضع 11 مليار درهم في خزينة الصندوق مقابل إسقاط متأخرات الدولة، وهو ما تم قبوله والتصديق عليه رسميًا دون تدقيق حقيقي في قيمة تلك المتأخرات.
كما أشار إلى معارضة وزراء من حزب الاتحاد الاشتراكي لزيادة سن التقاعد في عهد جطو بدعوى تزامنها مع استحقاقات انتخابية.
وأضاف المعتصم أنه بعد وصول عباس الفاسي للحكومة، تجاهل مطالب تفعيل اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد، مكتفيًا بالسؤال عن موعد العجز المتوقع، وعندما أُخبر بأنه سيكون في عام 2012، وضع الملف جانبًا مؤكدًا أنه سيكون خارج الحكومة حينها.
وختم المعتصم بالإشارة إلى أن حكومة بنكيران كانت جادة في إجراء إصلاح شامل وعاجل، لكنها واجهت “نقابات عاجزة” تعترف بضرورة الإصلاح لكنها غير قادرة على إقناع قواعدها به، ونقابات أخرى كانت تعتبر الإصلاح ضروريًا لكنها رفضت أن يُنسب الفضل فيه لحكومة بنكيران.