الاقتصادية

أسواق المال في عصر الإنكار: هل المستثمرون يعيشون في فقاعة غير عقلانية؟

في عالم تشبه أحداثه فيلم “Don’t Look Up”، حيث يكتشف العلماء اقتراب كارثة وشيكة بينما يتجاهلها الجميع، يبدو أن أسواق المال العالمية تتصرف بطريقة مشابهة.

المستثمرون والمضاربون يميلون إلى تجاهل المخاطر الحقيقية والانغماس في طموحات قصيرة المدى، متأثرين بالتفاؤل المفرط والانحيازات النفسية، حتى في مواجهة تحولات اقتصادية وجيوسياسية ملموسة.

شهد سعر الذهب خلال أسبوعي منتصف وأواخر أكتوبر 2025 تقلبات حادة، إذ ارتفعت أوقية الذهب إلى مستويات قياسية تخطت 4381 دولارًا، قبل أن تتراجع بنحو 5% في يوم واحد.

هذه التقلبات، التي تعكس عمليات جني الأرباح والمضاربات، تطرح تساؤلات حول مدى عقلانية التحركات في الأسواق، خاصة مع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والحظر الصيني على المعادن النادرة، ما دفع المستثمرين للتحوط وشراء الذهب بكثافة.

أسهم “وول ستريت” تشهد تركيزًا غير صحي لرؤوس الأموال، حيث تمثل أكبر 7 شركات نحو 40% من القيمة السوقية الإجمالية للسوق، مدفوعة بموجة التفاؤل المفرط تجاه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

ارتفاع مضاعفات الربحية لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” إلى 19.5، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ 14، يعكس انحرافًا عن النمو الاقتصادي الفعلي وتحولًا نحو المضاربة.

على الرغم من السياسات الحمائية الأمريكية وعدم اليقين الاقتصادي، استحوذت الولايات المتحدة على نحو 50% من إجمالي التدفقات المالية العالمية في 2022، واستمرت هذه التدفقات خلال الأعوام التالية. ففي يوليو 2025 وحده، ضخ المستثمرون الأجانب نحو 78.8 مليار دولار في الأوراق المالية الأمريكية طويلة الأجل، مقابل 29.6 مليار دولار فقط استثمرها الأمريكيون في الخارج.

هذه التركزات المالية تؤدي إلى تضخم غير متناسب في قيمة السوق الأمريكية، حتى وسط أزمات سياسية ونزاعات تجارية.

أدت القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة إلى تراجع السوق الأمريكي بشكل حاد، إلا أن السوق سرعان ما تعافى بعد يومين، متجاهلًا خطورة القرار وتأثيراته المحتملة على الشركات التكنولوجية.

هذا السلوك يعكس ميل المستثمرين إلى التهوين من المخاطر للحفاظ على اتجاه السوق الصاعد، في نمط من الإنكار الجماعي يشبه تمامًا السيناريو الذي عرضه فيلم “Don’t Look Up”.

سواء كان في الذهب أو الأسهم أو تدفقات رؤوس الأموال العالمية، تبدو الأسواق المالية اليوم في حالة من الانحراف عن المنطق السليم. المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية موجودة، لكنها غالبًا ما تُهمل أو يُقلل من شأنها، بينما يهيمن التفاؤل المفرط والانحياز الجماعي على تحركات المستثمرين.

وكأن الجميع، رغم وعيه بالمخاطر، يفضل “عدم النظر للأعلى” خشية مواجهة الحقيقة الصادمة.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى