عبء الديون الأميركية يهدد السياسة النقدية.. وخيارات محدودة أمام الفيدرالي

يحذّر مايكل هارتنت، كبير الاستراتيجيين في “بنك أوف أمريكا”، من أن استمرار الولايات المتحدة في الإنفاق الحكومي المرتفع قد يضع الاقتصاد الأميركي أمام خيارات صعبة، قد تتطلب خفض أسعار الفائدة إلى مستويات أقل من 3% لتفادي تضخم عبء الديون إلى مستويات غير قابلة للاستدامة.
ومع اقتراب كلفة الفوائد السنوية على الدين العام من تريليون دولار – ما يعادل قرابة 4% من الناتج المحلي الإجمالي – يرى هارتنت أن هذا الوضع المالي لا يمكن استمراره دون تغيير في مسار السياسة النقدية.
ويقول إن “الإحجام أو العجز عن كبح الإنفاق” هو ما سيدفع الإدارة المقبلة، وعلى الأرجح الرئيس ترامب إن عاد إلى السلطة، للضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة بشكل كبير.
ويضيف هارتنت أن محافظ الفيدرالي القادم قد يضطر لاعتماد أدوات غير تقليدية مثل “التحكم في منحنى العائد”، لضبط تكاليف الاقتراض على المدى الطويل والحفاظ على استقرار سوق السندات.
وكانت زيارة ترامب الأخيرة لمقر الاحتياطي الفيدرالي – ليصبح رابع رئيس أميركي يقوم بذلك – قد أعادت للأذهان زيارة روزفلت عام 1937، في مؤشر على التصعيد المحتمل بين الرئاسة والفيدرالي.
ويتهكم هارتنت قائلاً إن الحكومة الأميركية حالياً تنفق ما يعادل كلفة تجديد مقر الفيدرالي البالغة 2.6 مليار دولار في أقل من أربع ساعات!
يرى هارتنت أن أسهم البنوك أصبحت المؤشر الأوضح على التحول من الإفراط المالي الأميركي إلى موجة من الإفراط المالي العالمي، حيث ارتفعت أسهم القطاع المصرفي منذ بداية العام بنسبة 62% في أوروبا، و37% في المملكة المتحدة، و17% في الولايات المتحدة.
لكن مع هذه الطفرة، ينبّه إلى أن أي ارتفاع كبير في عوائد السندات طويلة الأجل – مثل تجاوز 5.6% في المملكة المتحدة، و5.1% في الولايات المتحدة، و3.2% في اليابان – قد يثير قلق أسواق الدين ويعيد “مراقبي السندات” إلى الساحة بقوة.
وفي المقابل، أشار إلى أن الصين تسلك مسارًا مغايرًا، مع انخفاض عوائد سنداتها وثبات استراتيجيتها الاستثمارية التقليدية 60/40 (أسهم/سندات)، وقد تفوقت أسهم الفئة H الصينية بنسبة 58% خلال العامين الماضيين على كل من S&P 500 والأسواق العالمية.
رغم أن أسواق المال تبدي ارتياحًا تجاه احتمال تخفيض ترامب للضرائب والتعريفات وأسعار الفائدة، إلا أن هناك فجوة واضحة بين أداء وول ستريت والاقتصاد الحقيقي. فرغم صعود مؤشر S&P 500 بنحو 9% منذ بداية 2025، عاد معدل تأييد ترامب إلى مستوياته المتدنية في أبريل.
وبينما صعدت “أسهم المليارديرات الداعمين لترامب” بنسبة 71% منذ الانتخابات، تراجعت “أسهم الشركات الصغيرة” الموالية له بنسبة 1%، في دلالة على عدم توازن المكاسب الاقتصادية.
شهدت الأسواق موجة قوية من التدفقات الاستثمارية نحو الأصول الآمنة في الأسبوع المنتهي بتاريخ 23 يوليو 2024.
فقد سجلت صناديق السندات تدفقات قياسية بلغت 25.9 مليار دولار، هي الأعلى منذ يونيو 2020، حسب بيانات EPFR التي نقلها بنك أوف أمريكا.
واستقطبت صناديق النقد 13.7 مليار دولار، تلتها الأسهم بـ5.8 مليار دولار، فيما سجلت صناديق العملات المشفرة تدفقًا أسبوعيًا بلغ 3.6 مليار دولار، وحققت صناديق الذهب 1.6 مليار دولار.
من حيث القطاعات، واصلت صناديق المواد الأساسية تدفقاتها الإيجابية للأسبوع التاسع على التوالي بقيمة 5.4 مليار دولار، وسجل القطاع المالي تدفقات بقيمة 1.5 مليار دولار، وهو الأعلى خلال خمسة أسابيع هذا العام.
أما على مستوى المناطق، فقد شهدت الأسهم الأميركية تدفقات خارجة للأسبوع الثاني على التوالي بخسارة 7.7 مليار دولار، في حين استمرت أوروبا في جذب الأموال للأسبوع السادس بقيمة 1.1 مليار دولار، وحققت الأسواق الناشئة تدفقات إيجابية بـ2 مليار دولار. أما اليابان فسجلت تدفقات سالبة بلغت 700 مليون دولار.
في ظل ارتفاع غير مسبوق في الإنفاق الحكومي الأميركي، يرى محللون أن السياسة النقدية ستواجه ضغوطًا متزايدة، وقد تضطر لإعادة النظر في أسعار الفائدة لمواجهة تحديات الدين العام.
وفي حين تتسارع التدفقات نحو السندات والأصول الرقمية، يبقى التوتر قائمًا بين توجهات الأسواق وتحديات الواقع الاقتصادي، وسط غموض سياسي واقتصادي يلوح في الأفق.