سوق الفيتامينات يتحول من روتين يومي إلى صناعة عالمية مربحة

مع اقترابه من الستين، لاحظ جون بيترز، الموظف السابق في إحدى شركات التأمين بلندن، أن جسده لم يعد يحتفظ بنفس الحيوية التي عهدها. بحث عن حلول سريعة عبر الإعلانات على التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تعده بالحيوية والشباب الدائم من خلال عبوات صغيرة من الفيتامينات والمكمّلات الغذائية.
في البداية اقتصر الأمر على فيتامين د لتعويض نقص التعرض لأشعة الشمس، ثم أضاف بي12، ومكمّل للمفاصل، وآخر لتعزيز المناعة.
وبعد عامين، اكتشف بيترز أن نفقاته الشهرية على هذه المنتجات تجاوزت مصروفاته الطبية، وأصبحت جزءًا كبيرًا من معاشه التقاعدي. عندها بدأ يتساءل: هل هذه الحبوب تستحق كل هذا الإنفاق، أم أنه وقع ضحية “فقاعة فيتامينية” غذّاها التسويق أكثر من الحاجة الطبية؟
و على مدى العقد الأخير، تحوّل استهلاك الفيتامينات والمكمّلات الغذائية من عادة شخصية إلى صناعة ضخمة عالمية، مدفوعة بالوعي الصحي المتزايد والتسويق المكثف للشركات الكبرى.
تشير التقديرات الحديثة إلى أن حجم سوق الفيتامينات العالمي بلغ نحو 138.2 مليار دولار في 2024، ضمن سوق أوسع للمكمّلات الغذائية يتراوح بين 180 و190 مليار دولار. في الولايات المتحدة وحدها، يستخدم نحو 74% من البالغين المكمّلات بانتظام، لتصبح جزءًا من روتينهم اليومي.

ويستثمر اللاعبون الرئيسيون في الصناعة مليارات الدولارات لتطوير سلاسل الإنتاج وبناء العلامات التجارية، بالإضافة إلى صفقات الاستحواذ الكبيرة، كما شهدت شركات مثل “ألاند هيلث” صفقات ضخمة في 2025، ما يعكس تحول القطاع من تجارة محدودة إلى صناعة استراتيجية مربحة عالميًا.
تُروّج الفيتامينات كمكوّن وقائي، خصوصًا خلال مواسم الأمراض التنفسية مثل الإنفلونزا وكوفيد-19. وأظهرت الدراسات أن فيتامين د قد يقلّل خطر التهابات الجهاز التنفسي الحادة لدى بعض الفئات، لكنه ليس علاجًا شاملًا للجميع.
وتشير بيانات أوروبية وأمريكية إلى أن ملايين الأشخاص يعانون نقصًا في المغذيات الدقيقة، ما يجعل المكملات وسيلة فعّالة لتغطية هذه الفجوات الغذائية، مع ضرورة تحديد الحاجة الفعلية عبر تقييم طبي فردي.
استثمرت شركات الأدوية الكبرى في سوق المكملات الغذائية، نظرًا لربحيته المرتفعة مقارنة بالأدوية التقليدية التي تتطلب سنوات طويلة من البحث والتجارب السريرية المكلفة.
|
جدول تطوّر سوق الفيتامينات عالميًا: |
||
|
السنة |
حجم السوق (مليار دولار أمريكي) |
معدل النمو السنوي (%) |
|
2020 |
112.5 |
4.8 |
|
2022 |
125.9 |
5.2 |
|
2024 |
138.2 |
5.4 |
|
2025 (تقديري) |
146.0 |
5.7 |
على سبيل المثال، حققت شركة “هاليون” البريطانية إيرادات بلغت 14.6 مليار دولار في 2024، شكلت الفيتامينات نحو 15% منها، فيما باع “فايزر” حصته في الشركة مقابل 3.24 مليار دولار في 2025.
تعكس هذه التحركات تحول المكملات من قطاع ثانوي إلى مكوّن استراتيجي في محافظ شركات الأدوية، يوفّر تدفقات دخل مستقرة ويعزز الصحة الاستهلاكية دون وصفة طبية.
بين الترويج الواعد للفيتامينات وحقيقة الأدلة العلمية، يقف السوق عند مفترق طرق. الفيتامينات لم تعد مجرد “موضة صحية”، بل أداة محتملة ضمن الطب الوقائي، بشرط الاعتماد على التقييم الطبي والشفافية العلمية وتنظيم الصناعة.
في نهاية المطاف، ستظل الفيتامينات جزءًا من حياة الملايين، لكنها ستتطور من استهلاك عشوائي إلى أداة مدروسة لتغطية النقص الغذائي وتحسين الصحة بشكل واقعي ومدعوم بالأدلة العلمية.




