النفط الجديد: المعادن النادرة تتحول إلى ساحة صراع أميركي صيني واستراتيجية عالمية

قدّرت مؤسسة غولدمان ساكس قيمة سوق المعادن النادرة بنحو 6 مليارات دولار في 2024، محذرة من أن أي اضطراب بنسبة 10% في القطاعات الصناعية المعتمدة عليها قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية عالمية تصل إلى 150 مليار دولار.
وتشمل هذه المعادن عناصر استراتيجية مثل الساماريوم والغرافيت والتيربيوم، التي تُستخدم في الصناعات التكنولوجية والعسكرية، من السيارات الكهربائية إلى أنظمة التوجيه الدقيقة، ما يجعلها محوراً حساساً في الصراع الجيوسياسي بين القوى الكبرى.
رغم التقارب الأخير بين واشنطن وبكين، وفتح قنوات لمحادثات حول اتفاق تجاري محتمل، تسير الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب وفق استراتيجية طويلة الأمد لتقليل الاعتماد على الصين في المواد الحيوية.
وتشمل هذه الاستراتيجية تنويع سلاسل التوريد عبر دعم المنتجين المحليين، وفرض سياسات تسعير وضوابط جديدة، إضافة إلى عقد شراكات استراتيجية مع دول آسيوية مثل اليابان وماليزيا وتايلاند وفيتنام وكمبوديا.
وفي أكتوبر 2025، وقّع ترامب ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي اتفاقاً لتعزيز التعاون في مجال المعادن الحيوية والأرض النادرة، بقيمة مشاريع تصل إلى 8.5 مليار دولار، تمثل خطوة عملية للحد من النفوذ الصيني في هذا القطاع الحيوي.
تُعد أستراليا أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في هذا المجال، لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة. وأوضح ألبانيزي أن الاتفاق يشمل ثلاث مجموعات من المشاريع المشتركة، بمشاركة شركات كبرى مثل «ألكوا» الأميركية للألومنيوم، واستثمارات أميركية بقيمة 3 مليارات دولار لتطوير مشاريع التعدين والمعالجة.
كما ينص الاتفاق على إنشاء مصفاة غاليوم جديدة في غرب أستراليا بطاقة إنتاجية تبلغ 100 طن سنوياً، بهدف تعزيز سلاسل الإمداد الغربية وتقليل الاعتماد على الصين.
ردّت الصين بتحذيرات رسمية، مؤكدة أن الدول الغنية بالموارد الطبيعية يجب أن تضمن استقرار سلاسل الإمداد العالمية وعدم استخدام المعادن النادرة في النزاعات الجيوسياسية.
وفي خطوة لاحقة، أعلنت وزارة التجارة الصينية توسيع قيود تصدير المعادن النادرة، مستهدفة التطبيقات العسكرية الأجنبية، وشملت الإجراءات إضافة عشرات التقنيات المتقدمة إلى قائمة الرقابة، مع إلزام الشركات الأجنبية بالالتزام الصارم بالقواعد الصينية عند شراء أو معالجة هذه المعادن.
رغم أن قيمة السوق لا تتجاوز 6 مليارات دولار، فإن أهميتها الاستراتيجية تفوق حجمها المالي بكثير. فالمعادن النادرة تدخل في تصنيع المحركات الكهربائية، والرقائق الدقيقة، وأجهزة الاتصالات، والطائرات المقاتلة، مما يجعل أي نقص فيها قادرًا على شل قطاعات صناعية كاملة.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين قد يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية للموارد الحيوية، ويحفز الدول الأخرى على تأمين احتياطاتها الوطنية وتطوير صناعات محلية لمعالجة المعادن النادرة.
وبينما تسعى واشنطن لتقليل اعتمادها على بكين، ترد الأخيرة بإحكام قبضتها على الموارد والتقنيات المتقدمة، ليصبح الصراع على المعادن النادرة ساحة أساسية للنفوذ التكنولوجي والاستراتيجي في القرن الحادي والعشرين.




