الذكاء العاطفي أم الذكاء الاصطناعي؟ لماذا يبقى القلب البشري هو مفتاح النجاح في العمل

في زمن تتلألأ فيه وعود الذكاء الاصطناعي في كل مؤتمر وكل مكتب، يُقدّم لنا هذا الذكاء كحل شامل لكل تحديات التدريب وإدارة المعرفة: أسرع، أرخص، وأكثر كفاءة.
لكن وراء هذا البريق، يختبئ خطر جوهري: الاعتماد على الخوارزميات وحدها قد يجعلنا نتعلم كل شيء إلا ما هو أهم — فهم أنفسنا وفهم الآخرين.
فالذكاء الاصطناعي قادر على تزويدنا بالمعلومات، ولكنه عاجز عن تعليمنا فن التواصل، أو مواجهة التحديات الإنسانية المعقدة، أو بناء فرق متماسكة.
كثيرًا ما نجد أنفسنا معزولين خلف الشاشات، في محاضرات افتراضية بلا حوار أو دفء، نأمل أن تصلح الخوارزمية ما أفسدته الطبيعة البشرية.
تجربة أليكس شنايدر، المدرب المهني في الحكومة الفيدرالية الأمريكية، تُجسّد هذا الواقع بوضوح: تم تطبيق نظام ذكاء اصطناعي لتخصيص وحدات تدريبية لكل موظف بناءً على تقييمات زملائه السرية.
على الورق كانت فكرة مبتكرة، لكنها على أرض الواقع أفرغت التدريب من أي تفاعل إنساني، وأدت إلى شعور بالانعزال والتمرد الصامت.
لم يتغير أي سلوك عملي، وكانت الرسالة واضحة: الكفاءة الرقمية لا تعوّض التواصل البشري.
يشدد شنايدر على أن الفجوة الأساسية في الأداء لا تكمن في نقص المهارات التقنية، بل في غياب الذكاء العاطفي.
يتجلى هذا النقص في أمثلة يومية: المدير الذي يلقي اللوم بدل مراجعة قراراته، والزميل الذي يقمع الآراء المعارضة بالعدوانية، والاجتماعات التي تموت فيها الأفكار الإبداعية بسبب الأصوات الأعلى.
المفارقة الأكبر أن تبنّي الذكاء الاصطناعي بنفسه يُظهر أزمتنا الإنسانية؛ فالتحول الرقمي يحتاج أولًا إلى الثقة والشفافية وإدارة التغيير، لكننا غالبًا نُغلق الأبواب أمام تطوير القدرات البشرية.
لقد تم إلغاء أقسام التطوير التنظيمي وإيقاف جلسات التواصل الأسبوعية بحجة “عدم الفعالية”، وفق معايير الكفاءة الرقمية.
إذا لم تكن الخوارزميات هي الحل، فالمفتاح يكمن في إعادة التركيز على الإنسان. أربعة مبادئ عملية يمكن أن تساعد في ذلك:
-
التدريب العاطفي، لا الافتراضي: بدلاً من الاعتماد على الواقع الافتراضي فقط، يجب محاكاة المواقف الإنسانية الواقعية، وخوض المحادثات الصعبة، وتقديم النقد البناء، وتفعيل التعاطف.
-
إضفاء معنى على التقنية: حتى مع وحدات التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يجب ربط المحتوى بالقيم العليا ورسالة المؤسسة، لأن المعنى يحفّز التعلم الحقيقي.
-
خلق طقوس التعلم المشترك: التدريب الفردي قد يبعدنا عن بعضنا، لذا من المهم تخصيص أوقات للتعلم الجماعي، حتى في مهام روتينية مثل الأمن السيبراني، لتعزيز الروابط وبناء ثقافة الفريق.
-
التفكّر المستمر: الذكاء العاطفي يحتاج إلى ممارسة دائمة، تمامًا كالعضلة التي تتقوى بالتمرين الأسبوعي لمراجعة الأداء، مناقشة التحديات، والاحتفاء بالنجاحات.
قد تبدو العائلات أو فرق العمل “غير فعّالة” وفقًا لمقاييس الإدارة الحديثة، لكنها المصدر الأساسي للدعم والانتماء. بناء العلاقات يحتاج وقتًا وجهدًا، لكنه الاستثمار الأهم لبيئة عمل منتجة وممتعة.
في عالم العمل الحديث، يجب أن تظل الخوارزميات أداة مساعدة، بينما يبقى القلب الإنساني والعلاقات الصادقة هم المحرك الرئيسي للنجاح والإبداع. القيادة، الإلهام، الهدف، والتواصل الحقيقي — هذه هي العناصر التي تصنع الفرق في أي عمل عظيم ومثمر.