الذكاء الاصطناعي والدولار.. بين القوة الاقتصادية ومخاطر الأتمتة

مع تسارع اعتماد الشركات الأمريكية على الذكاء الاصطناعي، يبرز السؤال حول تأثير هذه التقنية على الدولار الأمريكي. فبينما يحمل الذكاء الاصطناعي وعودًا كبيرة لتعزيز الإنتاجية وتحفيز الاستثمار، فإنه يطرح في الوقت نفسه تحديات تتعلق بالوظائف وسوق العمل، وفقًا لتقرير حديث لبنك أوف أمريكا.
و على المدى القصير، قد تكون التأثيرات مختلطة، لكن المكاسب المستقبلية في الإنتاجية قد تدعم قوة العملة الأمريكية على المدى الطويل.
رغم التفوق التكنولوجي لشركات أمريكا واستمرار سردية “الاستثنائية الأمريكية”، لم ينعكس ارتفاع أسهم الذكاء الاصطناعي مؤخرًا بشكل مباشر على الدولار. ففي الفترة التي تلت “يوم التحرير” في أبريل، ارتفعت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي، بينما بقي الدولار الأمريكي مستقراً ضمن نطاق محدود.
ويشير الاستراتيجيون بالبنك إلى أن العلاقة بين أسهم الذكاء الاصطناعي والدولار ليست مباشرة: “لا يمكن افتراض أن انخفاض الأسهم وحده سيضعف الدولار،” حسب ما كتبه أليكس كوهين وفريقه، مؤكدين على سيطرة العوامل الاقتصادية الكبرى الأخرى.
ومع ذلك، إذا استعادت أسهم الذكاء الاصطناعي ارتباطًا إيجابيًا مع الدولار، قد يؤدي ذلك إلى زيادة نسب التحوط من قبل المستثمرين العالميين، ما يقلل من فعالية الدولار كملاذ آمن خلال موجات تراجع الأسهم.
يعتبر بنك أوف أمريكا أن طفرة النفقات الرأسمالية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تمثل “عامل دعم حقيقي للدولار”. فقد ساهمت الاستثمارات في البرمجيات، الأجهزة، ومراكز البيانات بنحو 1.2 و1.3 نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربعين الأول والثاني من 2025.
هذا النمو، إلى جانب ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا، دعم إنفاق المستهلكين وزاد أسعار الخدمات، ما ساهم في الحفاظ على قوة الدولار أكثر مما كان متوقعًا.
إلا أن الأتمتة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي تحمل تهديدات محتملة لسوق العمل. تشير المؤشرات إلى توظيف حذر من قبل الشركات، خصوصًا للوظائف التي يمكن أتمتتها، ما يمثل خطرًا على الدولار.
حسب فريق بنك أوف أمريكا، “التركيز على تسريح العمال بسبب الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدًا للدولار،” إذ قد يسرّع ذلك من خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
مستقبل الدولار على المدى الطويل مرتبط بتوازن القوى بين مكاسب الإنتاجية والضغوط الانكماشية الناتجة عن الأتمتة. التاريخ يظهر أن الإنتاجية الأعلى ترتبط عادة بدولار أقوى، كما حدث بين 1995 و2002.
وعلى عكس فقاعة الدوت كوم في عام 2000، فإن طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية مدفوعة بشركات تكنولوجيا رابحة، وليس ناشئة، مع حجم أقل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومع ذلك، استمر الدولار في التعزيز خلال صعود وهبوط دورات التكنولوجيا السابقة، مع إمكانية انعكاس العلاقة التقليدية بين الدولار وأسهم التكنولوجيا خلال فترات التقلب العالي.
في النهاية، يظل التأثير الكامل للذكاء الاصطناعي على الدولار غير واضح. لكن استثمار الشركات في هذه التقنية يشكل دعمًا إيجابيًا صافيًا للعملة الأمريكية، في حين أن مخاطر الأتمتة وانخفاض الأجور المؤقتة قد تمثل ضغوطًا قصيرة الأجل، مما يجعل مستقبل الدولار مرتبطًا بتوازن هذه القوى الاقتصادية المتناقضة.




